منذ أن نزل سيدنا آدم و وقعت قدمه على الأرض و الطبيعة التي خلقها الله و نفح فيها من جماله تعاني من أنانية الإنسان، الذي نسي وتناسى أن مهمته الأساسية هي إعمار الأرض فحملها ما لا طاقة لها به، و أتى على الأخضر و اليابس من الأشجار والغابات ما أدى إلى خفض مستويات الأكسجين، وتسبب في إنبعاث المواد الضارة إلى الهواء وتلوثه وتواصلت عنهجيته متجاهلاً كل التحذيرات و التوصيات التي تصدرها الأيادي الخضراء المحبة للبيئة، وعلى حين غفلة منا حلت علينا جائحة كورونا المستجد بما لا نشتهيه؛ فطبقت علينا الحجر المنزلي و فرضت قيود السفر وعطلت حركة الطيران ليتوقف العالم فجأة عن الحركة.

هذا بالنسبة للإنسان لكن “كورونا” في الكون فقد تسببت في إختزال نسب مستويات التلوث وقلصت إنبعاثات الغازات المسببة للإحتباس الحراري و شفى الحيوانات البرية والشواطئ و السماوات.
صورة توضح انخفاض تلوث الهواء في الصين
فقد ذكر موقع فرانس 24 أن إجراءات الحجر الصحي المفروضة على أغلب سكان الكرة الأرضية بهدف كبح تفشي جائحة كوفيد 19 ساهمت في تراجع مستوى تلوث الهواء بالمناطق الحضرية، وذلك ما أكدته أبحاث ميدانية راصدةً تحسناً في هواء العواصم الكبرى بنسبة تجاوزت 12% وإنخفاضاً في مستوى النيتروجين وغازات المصانع، و أعلنت الدراسات حول طبقة الأوزون تراجع في مستوى إنبعاثات الكربون إلى أقل مستوى لها منذ ما يزيد عن 30 عاماً.

ولكي نفهم ما يجري فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان لها شهر مارس لعام 2018 ذكرت فيه أن 9 من أصل 10أشخاص يستنشقون هواءً يعج بالشوائب، وأن عدد الوفيات بفعل كل من التلوث المحيط (الخارجي) والمنزلي (الداخلي) أتت تقريبا على سبعة ملايين نسمة سنوياً كلهم ماتوا بسبب إستنشاقهم للجسيمات الدقيقة التي يحملها الهواء والتي تخترق بدورها الرئتان وجهاز القلب والأوعية الدموية مما يصيبهم بأمراض مثل السكتات والأمراض القلبية الوعائية وسرطان الرئة ومرض الإنسداد الرئوي المزمن وإلتهابات الجهاز التنفسي شاملةً الإلتهاب الرئوي.

وفي البيان ذاته أكدت على تسبب تلوث الهواء الناجم عن الوقود والتكنولوجيات المُلوثة التي تستخدم في الطهي والتدفئة داخل المنازل في وفاة قرابة 3.8 مليون شخص في نفس العام منها 213 ألف حالة وفاة في إقليم شرق المتوسط وحده.

كما أقرت منظمة الصحة العالمية بأن تلوث الهواء هو عامل خطورة بالغ الأهمية للإصابة بالأمراض غير السارية في الإقليم، متسبباً في أكثر من ربع الوفيات من البالغين: 45% من مرض الإنسداد الرئوي المزمن؛ 30% من سرطان الرئة؛ و28% من أمراض القلب، و25% من السكتة. ويتسبب تلوث الهواء أيضاً في 52% من الوفيات الناجمة عن الأمراض السارية مثل التهابات الجهاز التنفسي السفلي الحادة.

و في شهر مارس الماضي أكددت بعض الأبحاث والتقارير على أن تأثير وباء كورونا بيئيا لن يكون طويل الأمد، لكنها ترى أن إنعكاسات الوباء على البيئة قد تصبح طويلة الأمد في حال إستمرت الإجرات الوقائية التي رافقت تفشيه حتى نهاية العام الجاري.

و أصدرت مؤسسة التعاون الدولي والتنمية تقريراً مؤخراً ذكرت فيه أن توقعات النمو لعام 2020 تراجعت بمقدار النصف إثر تفشي فيروس كورونا ومقابل ذلك أكد الباحثون في مركز أبحاث الطقس والبيئة الدولي في أوسلو أن إنخفاض إنبعاثات الغازات العالمية في عام 2020 بنسبة 0.3 في المئة، وقد لا تعود إلى معدلاتها السابقة في حال ركزت جهود دفع عجلة النمو الإقتصادي على قطاعات الطاقة النظيفة.
الماعز البري في شوارع ويلز ببريطانيا
هذا كله ربما لم ترصده عين الإنسان المجردة إنما كشفته البيانات والتقارير ففي الوقت الذي وبعد ما يقارب الثلاثة أشهر من الحجر المنزلي الوقائي من جائحة كورون يتعالى أنين الإنسان في سجنه يوما بعد يوم لكن “الأرض تتنفس” كما لم تفعل منذ قرون عديدة فها هي قطعان من الماعز البري تقتحم شوارع بلدة لانديدنو الساحلية شمالي ويلز ببريطانيا فيما يشبه محمية طبيعية و رصدت مقاطع الفيديو و العديد من الصور لحظات تجول هذه الحيوانات البرية بحرية داخل المدينة ذات المحال و الفنادق المغلقة والشوارع الفارغة من البشر في ظاهرة فريدة من نوعها، وقبلها عادت التماسيح لشواطئ المكسيك و القرود في نيو مكسيكو، وصفاء الممرات المائية وقناديل البحر في قنوات أحياء البندقية السياحية في إيطاليا.

ورصدت عيون الكاميرات الدلافين على طول شاطئ البوسفور بتركيا بالإ ضافة الى أن شواطئ دلس بولاية سكيكدة الجزائرية عرفت ظهور هذه الدلافين للمرة الأولى، فيما أخذت الأرانب البرية الإسترالية التي كانت إلى وقت قريب تتناقص أعدادها بشكل يوحي إلى قرب إنقراضها بفعل الصيد الجائر والغير مقنن عادت أعدادها في الإرتفاع إلى أرقام غير مسبوقة منذ إعلان الحجر المنزلي وحظر التجول في أستراليا.
صورة توضح نقاء مياه شاطئ الاسكندرية
أما مصر المحروسة فقد عادت فيها نقاوة شواطئها وصفاء مياهها البحرية إلى معدلها الطبيعي حتى تكاد أن ترى بالعين المجردة الأسماك تسبح بكل جمال وبكل رشاقة في المياه و كأن الطبيعة بذلك أرادت أن تلوم الإنسان وتعاتبه عن ما فعله بها فإنتقمت لنفسها و أرسلت له كائناً طبيعياً لا تدركه عينه المجردة لتسجنه في منزله و تستعيد وراء قضبانه كرامتها في هذا العالم فيما يشبه الحب الجارف الفاتن.

كتبت: صابرين الهلالى