اليهود وتاريخهم مع مصر

نكمل ما بدأناه عن اليهود وتاريخهم مع مصر وكنا قد توقفنا في الجزء الأول عند اليهود في العهد الروماني ويمنك قراءة الجز الأول عن طريق الرابط التالي: https://adam-arts.com/?p=5870

في وقت معين أصبح عدد اليهود في مصر كبير وخصوصاً في عصور معينة ، سنأخذكم معنا في جولة نرى فيها حكاية يهود مصر وعددهم ومن هم فنانين اليهود في مصر ومن كان جاسوساً ومن مات محروقاً.

أعداد اليهود في مصر:

– أورد فيلون السكندري اليهودي أن تعداد يهود الأسكندرية في حياته كان مليوناً، وهو رقم مبالغ فيه ولا شك.
وربما كان العدد الصحيح هو مائة ألف نسمة، حيث أن عدد سكان الإسكندرية بأكملها كان يقدر بنصف مليون فقط، وكان الحي اليهودي هو أحد الأحياء الخمسة بالمدينة.
كما يجب الأخذ في الإعتبار بأن اليهود في العصرين البطلمي والروماني عرف عنهم نشاطهم التبشيري المحموم، والذي أشار إليه الإنجيل.
بما يعني أن هناك فارق بين اليهودي في العصرين الإغريقي و الروماني و ما تلاهما من عصور، وبين بني إسرائيل الأصليين.

وكانت كثرة يهود الإسكندرية تعمل في الصناعة والتجارة، أو تعيش في فقر ، وكان كثيرون منهم تجاراً ، وعدد قليل منهم مرابين.

وبلغ بعضهم من الثراء لدرجة أنهم استطاعوا بها أن يحصلوا على مناصب يُحسدون عليها في الحكومة ؛ وبعد أن كانوا في أول الأمر لا يشغلون إلا خُمس مساحة المدينة أصبحوا في الوقت الذي نتحدّث عنه يُشغلون خمسيها ، وكانوا يحاكمون بمقتضى قوانينهم الخاصة على أيدي كبرائهم.

وأيدت روما الامتيازات التي منحها إياهم البطالمة والتي يحق لهم بمقتضاها أن يتجاهلوا أي قانون يتعارض مع أوامر دينهم.
وكانوا يفخرون بكنيسهم المركزي الفخم وهو باسقاً ذات عُمَد، بلغ من الاتساع حداً كان لابد معه من استخدام نظام للإشارات يضمن بها استجابة المصلين الذين لا يستطيعون- لبعدهم عن المحراب- أن يسمعوا صوت الحاخام ، ويُستفاد من أقوال يوسفوس أن الحياة الأخلاقية ليهود الإسكندرية كانت مضرب المثل في الاستقامة إذا قيست إلى حياة السكان “الوثنيين” الشهوانية .

وكانت لهم ثقافة ذهنية نشيطة ، كما كان لهم حظ كبير من الدراسات الفلسفية والتاريخية والعلمية في ذلك الوقت.

وقد حدث في عام 38م أن هاجم الغوغاء من اليونان معابد اليهود وأصرّوا على أن يضعوا في كل منها تمثالاً لكاليگولا ليتخذوه إلهاً.
كذلك حرّم أفليوس فلاكس حاكم المدينة الروماني اليهود من حق المواطنة الإسكندرية وأمر من كانوا يعيشون منهم خارج القسم اليهودي الأصلي أن يعودوا إليه في خلال بضعة أيام من صدور الأمر.

فلما انقضى الأجل المحدد لهذه العودة أحرق الغوغاء اليونان أربعمائة من بيوت اليهود، وقتلوا من كان منهم خارج ذلك الحي؛ وقبض على ثمانية وثلاثين من أعضاء الجروزيا (مجلس الشيوخ اليهودي) ، وجلدوا علناً في إحدى دور التمثيل.
ليس هذا فحسب بل طُرِد آلاف منهم

من بيوتهم أو من أعمالهم أو حُرموا ما كانوا يدخرونه من أموالهم ، وعَرَضَ الحاكم الذي خَلَفَ فلاكس أمرهم على الإمبراطور ، وسافر إلى روما (عام 40م) وفدان مستقلان- أحدهما يتألّف من خمسة من اليونان والآخر من خمسة من اليهود- ليعرض كل منهما قضيته على كلجيولا.

ولكن الإمبراطور قضى نحبه قبل أن يصدر حكمه ، فلمّا جلس كلوديوس على العرش أعاد إلى يهود الإسكندرية ما كان لهم من حقوق، وأكّد لهم مواطنيتهم في المدينة، وأصدر أمراً مشدداً إلى الطائفتين المتنازعتين ألا تعكّرا صفو السلام.

الفتح الإسلامي لمصر :

وجد المسلمون الدعم لفتح مصر ليس فقط من الأقباط، ولكن من اليهود كذلك، كل الساخطين على الإدارة الفاسدة للبطريرك سايروس السكندري.

ففي عام 629 طرد الامبراطور هرقل اليهود من القدس، وأعقب ذلك مذبحة لليهود في جميع أنحاء الإمبراطورية وفي مصر.

وقد سمح عمرو بن العاص لليهود بالبقاء في الإسكندرية عندما فتح مصر.

ازدهرت ثروات اليهود في مصر عهد الدولة الطولونية.

أما عصر الفاطميين كان من أزهي فترات اليهود في مصر، باستثناء الجزء الأخير من حكم “الحاكم بأمر الله”.
فمعظم المدارس التلمودية التي تأسست في مصر، كانت في هذه الفترة.

وقد ارتفع شأن بعض اليهود في هذه الفترة، حتى أن يعقوب بن كلس تولى الوزارة في تلك الحقبة.
طبق الخليفه الحاكم بأمر الله (996-1020) العهدة العمرية، مضطراً اليهود على ارتداء أجراس وأن يحملوا صورة خشبية للعجل في الأماكن العامة.
كما حدد إقامتهم في أحد شوارع المدينة ، وعندما سمع الحاكم أنهم يسخرون منه، قام بحرق حيهم بأكمله.

أما في عصر صلاح الدين الأيوبي (1169-1193) فقد عاش اليهود في سلام ، ففي عام 1166 رحل موسى بن ميمون إلى مصر واستقروا في الفسطاط، حيث حاز شهرة كبيرة كطبيب، في الفسطاط.

أثناء دولة المماليك البحرية (1250-1390) ساهم اليهود في صيانة المعدات .
وذكر المقريزي أن الظاهر بيبرس (1260-1277) ضاعف ضريبة “أهل الذمة”.

أما تحت حكم المماليك البرجية، هاجم الفرنجة الإسكندرية مرة أخرى عام 1416، وضعت قوانين أشد صرامة ضد اليهود، وذلك بسبب ظهور وباء الطاعون الذي أهلك أعدادا كبيرة من السكان عام 1438 ، فأجبر اليهود في القاهرة على دفع 75،000 قطعة ذهبية.

الثوار المصريون سنة 1919 يحملون العلم المصري وعليه الهلال والصليب ونجمة.

وظلت الفكرة القائلة “إن اليهود في مصر كانوا من أغنى أغنياء البلد وليس من بينهم فقير” تروج للعديد من السنين بل ما زال يروج لها حتى الآن.
لذا قام من تواجدوا في مصر آن ذاك بمحاولات عديدة لاحتلال البلاد اقتصاديا ولم تصلنا أي صورة عن طبيعة اليهود في مصر والتي كانت لا تختلف عن باقى المجتمع الذي كان يتكون من فقراء ومتوسطى الدخل وأغنياء.

فحارة اليهود ما زالت شاهداً على أن هناك يهودا كانوا فقراء مثلهم مثل أي مصرى في ذاك الوقت.
ولعل ما ذكره كتاب جاك حسون “تاريخ يهود النيل” والذي قام بترجمته محامي العمال في مصر يوسف درويش المصري اليهودى دليل موثق على وجود فقراء يهود كثيرين.

ولعل أبرز ما جاء في الكتاب كان رصد لحياة الباعة الجائلين اليهود الذين كانوا يتنقلون بين القرى المختلفة والبعيدة لبيع بضاعتهم .
وأكد أن اليهودي الذي كان يرغب في أن يصلى في بلد ليس بها معبد كان يؤدى صلاته في الجامع دون أي اعتراض من قبل المسلمين.

كما ذكرت مصادر وكتب عديدة على وجود بيوت الأوديش وهو مجمع سكني للفقراء كانت في حارة اليهود تحمل العائلات اليهودية الفقيرة حيث كان الدور الواحد يحمل غرفاً كثيرة.

وللعلم ، فإن الطائفة اليهودية كانت تسمى بالطائفة الإسرائيلية نسبة إلى سيدنا يعقوب الذي لقب بـ “إسرائيل” ولكن بعد قيام إسرائيل بدأ اليهود في تغير مسمى القادة الدينيون في مصر في استقبال.

الملك فاروق الأول بمحطة سراي القبة 1946 يمين الأنبا بوساب بطريرك الأقباط ، كانت الأهرام من أولى الصحف التي رصدت النشاط الصهيوني المتنامي بين يهود مصر ، خلافاً للمزاعم القائلة بأن اليهود المصريين لم يشتركوا في الحركة.

في الفترة محل المراجعة ، لاحظت الصحيفة أن اليهود المصريون قاموا بارسال وفد برئاسة موسى قطاوي، للمؤتمر الصهيوني الذي عقد في لندن عام 1918.
أعضاء الوفد، تم انتخابهم في اجتماع عقد بالإسكندرية، حيث “سيتم التصويت، في المؤتمر المنعقد في لندن، عن تطلعات اليهود في مصر فيما يخص فلسطين”.
بالإضافة إلى ذلك، قبل شهرين، بدأت الصهاينة المصريون في الإسكندرية بنشر صحيفة أسبوعية باللغة الفرنسية ، أولى إصدارتها، كان إعلان النوايا ، الوطن القومي، كما كتبت الصحيفة، ليمثل نقطة محورية لإحياء اللغة والتقاليد العبرية واستعادة مجد الأراضي المقدسة.

كانت مصر ذات أهمية للحركة، “لأن في مصر هناك عدد كبير من الأشخاص وسيكون من الممكن عقد دراسة، من مصر، لآمال وتطلعات الصهاينة في فلسطين ولخلق اتصالات وعلاقات بقادتهم”.

ولأغراض أخرى، دعا الصهاينة إلى “استيطان فلسطين”.

ونستكمل في الجزء الثالث قصة يهود مصر وسنتعرف على نشاط اليهود في مصر وأهم فنانين يهود عاشوا في مصر

فانتظرونا …

 

كتبت: غادة إبراهيم