أهلا بكم في الجزء الثالث والأخير من سلسلة نديم السلطان ، والتى نتناول فيها قصة حدثت في العصر المملوكي ، في الجزء الأول تعرفنا على الشيخ علي الكسيح ومولده وفي عصر من عاش وفي الجزء الثاني تعرفنا على حياته ونستكمل ما بدأنه في الجزء الثالث اليوم .. أما من لم يعرف من هو الشيخ علي الكسيح عليه الرجوع للأجزء السابقة من خلال الروابط التالية:
الأول: https://adam-arts.com/?p=5924
الثاني: https://adam-arts.com/?p=6018
أصبحت أخبار الشيخ على الكسيح ومعجزاته وشفاءه للمرضى وبركاته ملء السمع والبصر ، وتحول منزله لمزار للكبار والصغار الاغنياء والفقراء الأمراء والحرافيش ، الكل يطلب بركته ورضاه ومسحة من يده المباركة على أحزانه وقلبه المثقل بالهموم .
ومع إزاحة الهموم تنفك عقدة اللسان ويحكى أدق أسراره وأسرار الدولة المصرية ، والشيخ يحتفظ بتلك المعلومات والأسرار ويحولها إلى ذهب وفضة ونفوذ ، وأيضاً سمعة وصيت .
حتى جاءه يوماً المملوك الجيغا وهو أحد مماليك إخوان السلطان الكامل شعبان وهو المظفر حاجى .
وأسر المملوك للشيخ بأن الأمراء فى حاله ضيق من السلطان الكامل شعبان وسيقومون بالإنقلاب عليه وتعيين أخيه الأصغر المظفر حاجى لكنه يخاف أن يشترك فى تلك المؤامرة والتي لو اخفقت فسيطير رأسه ورؤوس كل المتعاونين معه وهو أى المملوك الجيغا يريد مشورة الشيخ على الكسيح فى هذا الأمر الخطير .
شعر الشيخ علي الكسيح أن أبواب السلطة والمجد والسماء قد فتحت له .
فقال له الشيخ على أنه سيعمل له حجاب بالتوفيق فى مسعاه وتدبيرة لكن بشرط عندما يوفقه الله هو وسيده ويجلس المظفر حاجي بن الناصر على أريكه الحكم يكون الشيخ على جليسه ونديمه لليلة واحدة .
أقسم المملوك الجيغا للشيخ أنه سيكون نديم السلطان الجديد المظفر حاجي إن وفقهم الله فى تدبيرهم من التخلص من هذا السلطان الفاسد الظالم هو وأمه وزوجها .
وقام الشيخ على بإعطاء حجاب التوفيق للمملوك ودعى له بكل خير وتوفيق وملس على شعرة وتمتم بكلمات غير مفهومة ثم دعى المملوك بالإنصراف رشداً .
وأخذ الشيخ على يفكر كيف يستفيد من تلك المعلومة المهمة فهو الآن قد ضمن السلطان القادم لكن ماذا على السلطان الحالى وبحث الشيخ فى ذاكرته وتذكر الجارية محبة إحدى جوارى مغنية ومطربة القصر الأولى اتفاق فأسرع يطلب من أحد غلمانه أن يذهب إلى الجارية محبة . ويطلبها للقاء الشيخ على الكسيح فى أمر عاجل .
وبعد عدة أيام كانت المطربة اتفاق تقف أمام الشيخ على الكسيح بشكل سرى .
وبدون مقدمات قال الشيخ للمطربه اتفاق أن حظها ربما يتغير وأنه يرى فى الطالع شر وشيك يحيق بها وبسيدها وأن هذا الشر سيتسبب فى مصادرة أموالها وطردها هى وجواريها من قصر القلعة ، وأن عليها أن تحطات للأمر.
كان وقع الأمر وإلقاء الشيخ على الكسيح ومنظره شديد التأثير فطلبت والدموع تجرى على خديها أنها لا تأتمن أحد على كنوزها وأموالها إلا الشيخ على الكسيح نفسه وهى ترجوه أن يبقى أموالها عنده فإن مرت الأيام بخير تستعيد أموالها ، وتعطى الشيخ مكافئة عظيمة كما أنها ستجعله نديم السلطان الكامل شعبان ، إن قدر الله غير ذلك فتعود وتأخذ أموالها وتهرب إلى الشام .
ابتسم الشيخ على الكسيح ووافق على طلبها بعد أن دعى لها ومنحها بركاته.
تسارعت الأحداث وانقلب الأمراء المماليك على السلطان الكامل شعبان وقبضوا عليه وذهبوا به إلى السجن وأخرجوا أخويه حاجي وحسن وأدخلوا شعبان نفس الزنزانة وقاموا بسلطنة حاجي وأصبح المظفر حاجي بن الناصر محمد سلطان المسلميين وحامى الحرمين الشريفين.
وصعد إلى القلعة وجلس على أريكه الحكم وتم طرد أم السلطان السابق شعبان وتم سجن زوجها أرغون العلائي في سجن الأسكندرية وتمت مصادرة أموالهم وأموال أعوانهم ، أيضا تم مصادرة أموال جواري السلطان شعبان ثم طردهن خارج القلعة ومن بينهن المطربة اتفاق .
وأصبح المملوك الجيغا سكرتير السلطان وقدم له الشيخ على الكسيح كنديم ليله واحدة .
وصعد الشيخ على الكسيح إلى القلعة على ظهر غلامه ، شبه الإنسان النصف رجل والنصف شيخ المصرى الغير معروف الأصل يصعد إلى القلعه ويجلس مع سلطان المسلميين المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون قاهر الصليبيين والمغول .
وأخرج الشيخ من جعبته أفضل وامتع القصص والحكايات يرويها بأسلوب مشوق وجذاب لحضرة السلطان وأخذت قصص الطبقة الشعبية ومشاجرات نساءهم مع رجالهم بعقل السلطان .
وفى نهاية الأمسية أمر السلطان بعطية للشيخ على الكسيح وأن يجهز له جناح بالقلعة ليكون بجوار السلطان يكشف له الطالع ويخبرة عمن يحبه ويكره ومن يدبر له المؤامرات .
وتحول الشيخ على الكسيح بين ليه وضحاها إلى أعلى سلطه فى المملكة المصرية.
فبإشارة منه للسلطان يقتل هذا وبإشارة أخرى يرفع هذا ويعين هذا ويعزل هذا فقد أصبح السلطان يثق بالشيخ ثقة عمياء ويعتقد فى صلاحه وبركته .
وعرف الأمراء المماليك حب المظفر حاجي لهذا الشيخ وثقته فيه فتوددوا للشيخ وأمطروه بالهدايا والأموال ، والدعوات ليشرفهم فى قصورهم ومنازلهم الفاخرة.
وبينما الشيخ على فى أحد السهرات رأى الجارية حلم تتمايل وترقص وتخطف الألباب وعرف عن طريق عيونه أنها ملك أحد النخاسين تجار العبيد والجوارى وأنه يرسلها لتحي حفلات الأمراء نظير مبلغ معلوم .
وتذكر الشيخ أنه رجل وأن العمر مضى بدون نظرة رضى وحنان من أى امرأة منذ ماتت أمه .
فطلب من النخاس أن يحضر الجارية حلم لتذكره برجولته التى لا يعلم عنها شيء .
لكن الجارية لأول مرة ترفض طلب لسيدها لأنها تخاف من هذا المسخ هجين الشياطين الذى تخوف بسيرته الأمهات أبناءهم حين لا يسمعون كلامهم بأنهم سيحضرون لهم الشيخ على الكسيح ليأكلهم أو يحولهم مثله ، وأنها مستعدة أن تعاشر كلب وترقص له بديلاً عن هذا الشيخ المزيف وأنه لو أصر أن تذهب إلى هذا الشيخ المزيف ستقتل نفسها ويضيع عليه ثمنها والذهب الذى يجنيه من وراءها .
ففزع النخاس وأخبرها انه سيعتذر لهذا الشيخ نديم السلطان.
وذهب النخاس لمقابله الشيخ ، ووقف أمامه خائف وعيون الشيخ على تفحصه ونظراته تخترق صدر النخاس وتسبر غور الحقيقة .
وما إن فتح النخاس فمه واعتذر بمرض ألم الجارية حلم وأنه سوف يحضر له جارية أخرى.
حتى صفق الشيخ بيديه فخرج من أحد الأبواب إثنين من الطواشية العبيد يحملون بين يديهم قطعة لحم على هيئة إنسانة مضرجة بالدماء وما إن اقترب العبدان من النخاس حتى عرف كتله اللحم التى يحملوها أنها الجاريه حلم .
فذكر الشيخ على الكسيح أنها من حكمت على نفسها بالموت فمن العدل أن ننفذ لها ما أرادت وبإشارة من يده فتح أحد الأبواب وخرج ثلاثة من الكلاب الضارية صوب الجارية حلم ، حلم كل رجل الذى تحول إلى كابوس مروع .
وبينما الكلاب تنهش فى جسدها وتتعالى صرخاتها أخرج الشيخ على بعض الدنانير الذهبية وألقاها إلى النخاس المفجوع فى بضاعته.
وقال الشيخ على الكسيح “خذ مالك إننا لا نأكل لحم حرام هذا ثمن جاريتك الفاجرة التى فضلت الكلاب عليّ أنا نديم السلطان .
وظل الشيخ على الكسيح يبتز الأمراء ويشاركهم فى أموالهم المنهوبة من الشعب المغلوب على أمره.
وأعاد الشيخ على الكسيح المطربة اتفاق إلى قصر القلعة لتسمع السلطان وتطرب أذنيه ومن بعدها تمت إعادة الجواري والراقصات مرة أخرى.
وأصبح إنفاق الأموال بلا حساب من السلطان المظفر ، لكن أكثر ما أقلق الأمراء تودد السلطان المظفر حاجى بن الناصر إلى العامة والحرافيش وصعود بعضهم إلى القلعة يومياً وإقامة مباريات فى التحطيب .
فاجتمعوا ووجهوا له إنذار بطرد العامة والأوباش من القلعة وتقليص النفقات .
ودارت حرب بين السلطان وكبار المماليك ، وكان للشيخ على الكسيح دور كبير فى تلك الحرب وعمل كجاسوس مزدوج مرة ينقل الأخبار للسلطان ومرة ينقل أخبار السلطان للأمراء
وظل الشيخ الكسيح يلعب على كل الاحبال .
حتى انتصر الأمراء وقتلوا السلطان المظفر حاجى ، ومن بعده استداروا على الشيخ على الكسيح يعذبوه في سجن المقشرة حتى يقر بمكان أمواله وكنوزه التى أخذها منهم وهم أخذوها من الشعب .
لكن الشيخ علي الكسيح ظل على عناده وهو يقول افعلوا ماتريدون بي إننى نديم السلطان إننى نديم السلطان.
وتلك الأيام نداولها بين الناس .
كتب احمد عبد الواحد ابراهيم