من أنت؟
أنا طالب العلم:
أها أنت متعلم.
لا، لست متعلما:
كيف هذا؟ انت تقول : أنت طالب، ثم تقول: لست متعلما، أمر عجيب أفهمني.
إذاً أصغي إلي صدي القلب و اقرأ ما يبرز من الكلمات على صدر الأثير بعيون البصيرة.
هذه مراحل موت العزم والهمم بين رحى المدارس والجامعات الذي يطحن فيه وجود المواهب حتى مماتها.
ها كلامي إلى رحاب السماع.
خرجت من بين ذراعي الأمومة ملبياً دعوة النبوءة، وقتها قيل لي أنت الآن بين يدي الناس الذين هم مسؤولون عن الرشد و الهداية و تثقيف العقول و الدراية ، و تربية الأجيال الحاضرة لمكافحة الأخيلة الباطلة والعقائد الضالة والأفكار الزالة .
قيل لي: جسدك نما في حضن أمك و أبيك كما تنمو النصبة في حضن الأرض والهواء حتى اشتدت عضلاتك و صارت بنيتك عوداً كالشجرة و رعياك حتى تحولت فيك جلدة النعامة إلى لبدة الأسامة.
و علماك كيف تدير أصابعك بين حبات الأرز والعدس و قدماك لم تستطع الاستقرار والثبات فأحكماها و قوّماها، عبَبْتَ الماء فعلماك كيف تشربه نغبة نغبة، و ابتلعت الفواكه والأطعمة فأرشداك كيف تأكل حبة حبة.
و ذادا عنك كلاهما معاً كلّ خاطٍ إليك من الخطوب فلو انتابك شيء من المكروه فذهبا بك إلى من يزيله عنك و يعالجه فلم يتركا فيك نقصاً و عيباً حتى عالجاه و داواه.
و وفّرا لك أحلى و أغلى قوت للتقوية و التنمية و أكدا فيه حتى التسلية، و لكن زلاّ كلاهما في انتخاب المركز لتنيمة موهبتك و تثقيف عقلك لأنهما لم يلاحظا في هذا أحسن و أحلى و أجود مركز ينمي موهبتك و يرقي همتك ، بل احتذيا فيه مثال الغافلين و أدخلاك (لا، بل قل جرّاك) في مكان يدعى مدرسة فيه يتلى القرآن بدون فهم و إدراك و تلمع في وجه الفنون سيماء الغرغرة التي لاتُرنّ إلا عند إعتاق الأرواح المحبوسة في الهيولي.
و للأسف إنني لم أكن على أدنى فكرة من العلم والشعور بهذا الخراب الذي تغمد المدارس و المراكز العلمي (خاصة في مجتمع الإسلامي) كالسحاب الذي لا يتخلق إلا بانضمام الضباب الذي لا ينكشف إلا إما بأشعة الشمس أو دموع السماء أو بهبّ الهواء.
كنت انتظر تلك الشمس التي تشقق هذا الضباب و المطر الذي يغسل وجه هذه السماء؛ لكن لم يبرق بارق الأمل في غيوم اليأس بعد.
هذا شعور غمر وجودي من أخمص قدماي إلى قمة رأسي و أنا متيقن بأن كثيراً منكم من كان وعيه حاداً بما يحدث حولنا من الانحطاط والتدهور في الجامعات التي تنتحل الثقافة و المعرفة و هي لا تتمخض إلا بالناس الذين يقبلهم المجتمع كعضو منه و يسمح لهم أن يقضوا حياتهم فيه كإنسان ( فإن كثيراً من الناس من يلد كإنسان و لكن لا يشعر بهذا و يعيش ككائن يجد نفسه حيا، فيفعل كل شيءٍ من منهى عنه و مأمور به ما يوفر له التنفس والقوت للحياة المموهة ، فأسست المدارس و الجامعة لكي تُأَهلهم للمجتمع السليم )، أما المجتمع السليم فيبني على من تتمخض نفسه بنفسه و هم هم الذين ندعوهم العباقرة الذين دوّنتهم أصابع الدهر في صفحات التاريخ كالمتن و ما عداهم فليسوا إلا الحواشي كذرارة البحر التي تستجمع بشكل الزبد على سطحه ثم يرشها الموج على وجوه السواحل، فلا يطول وجودها حتى إما تتشربها الشمس أو الأرض، أما وجود البحر فيبقى كما هو مرأى العيون منجم السكون.
و أتمنى أن تدق هذه الرسالة ناقوس الخطر والحذر بين الشاعرين و تلقى آذانا مصغية من أولي الأبصار؛ لكي نحمى الأجيال القادمة من المخاطر الصارمة و نلعب دوراً فعّالاً لإصلاح ما فسد في المجتمع، و إعادة التوازن إلى عالمنا الإسلامي خاصة و إلى العالم كله عامة.
فيروز محمد الهندي