القاهرة الفاطمية كانت في الأصل عبارة عن جامع وقصر يحيطهما سور من الطوب اللبن لكنه كان أحدث وسائل الدفاع والتحصين في إمبراطوريات العصور الوسطى.

الجامع وهو الأزهر الشريف الذي ظل في موقعه حتى الآن أما القصر فدمره الأيوببيين بقيادة صلاح الدين ليؤكد غياب شمس الدولة الفاطمية وكان موقعه في المثلث الممتد بين الجامع الأزهر وشارعي بورسعيد ، والخرنفش وهذا القصر بناه القائد جوهر الصقلي لسيده الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.

ثم اتسعت القاهرة الفاطمية لتشمل أمراء ورجال الدولة وأصحاب الحرف المختلفة فظهرت الحارات التي حملت أسماء شخصيات كانت علي علاقة مباشرة بسكان القصر الفاطمي بعضهم كان يخدم القصر بصناعات بسيطة كالخلعيين (أي صناع الثياب) ،وتوجد حارة تحمل اسمهم وبعضهم بلغ من الرفعة بحيث تقلد أمور الوزارة وحكم البلاد.
ومن هذه الحارات ” حارة قائد القواد / حارة الطوارق / حارة اليانسية “.

حارة قائد القواد

تقع في حي الجمالية بالقرب من منطقة قصر الشوق وتحول اسمها قبل حملة نابليون بونابرت على مصر إلي ” درب الملوخيا ”
واسمها القديم ” قائد القواد ” يعود إلى حسين بن جوهر الصقلي الذي سكن بها عندما تقلد منصب قائد القواد فعندما مات والده جوهر القائد مؤسس القاهرة خلعه الخليفة العزيز بالله الفاطمي، ونصبه مكان والده ولقبه بالقائد بن القائد.

وعندما مات العزيز وتولى ابنه الحاكم بأمر الله قربه إليه وبعد ذلك تمكن الحاكم من قتل وزيره برجوان استدعى القائد حسين بن جوهر ووكله بتدبير أمور المملكة بعد برجوان القتيل، غير أنه لم يطلق عليه لقب أو اسم وزير واستطاع حسين القائد إدارة شئون البلاد بنجاح، وزهد في مظاهر السلطة والصولجان، ومنع الناس من أن يلقوه في الطريق، أو يركبوا إلي داره بالحارة، ومن كانت له حاجة كان عليه أن يبلغها له في القصر الفاطمي، كما منع الناس من مخاطبته في الرقاع ” المكاتبات الرسمية أو المظالم” بسيدنا كما كانت العادة في مخاطبة رجال الحكم وقيل إنه كان يتشدد في ذلك لخوفه من غيرة الحاكم بأمر الله.

غير أن هذا لم ينقذه من تقلب أطوار الحاكم بأمر الله فأبعده تماما عن السياسة، ثم أمر بإلقاء القبض عليه وعلى ابنه وأمر بقتلهما في أحد أروقة القصر الغربي.

حارة الطوارق

كانت تقع جنوب القاهرة الفاطمية بالقرب من باب زويلة والاسم يعود إلى إحدى فرق الجيش الفاطمي المنسوبة إلى قبائل الطوارق، التي يسكن بعضها الآن جنوب ليبيا، والجزائر وشمال النيجر حيث أن الجيش الفاطمي حين فتح مصر كان يعتمد على عدد من تلك القبائل.

حارة اليانسية

تقع بالقرب من باب زويلة واسمها يرجع إلى أبى الحسن يانس الذي بدأ حياته كخادم أرمني في البلاط الفاطمي وتدرج في المناصب السياسية حتى تولي القاهرة والإشراف على القصور الفاطمية، غير أنه لم يبلغ أرفع مناصبه سوي في عهد الخليفة الحافظ لدين الله وكان ذلك مكافأة له على إنقاذه للحافظ من الويلات.

فبعد أن قتل النزارية ” نسبة إلى الأمير نزار الفاطمي ” الخليفة الآمر بأحكام الله عام 524هـ قام قائدهم هزبر بتعين نفسه في منصب الوزارة، وجعل الأمير الميمون عبد المجيد على الخلافة بدلا من الآمر ولُقب “بالحافظ لدين الله” ، فثار عليه جند الجيش الفاطمي وقتلوه وعينوا بدلا منه الأمير كتيفات ابن أمير الجيوش وسيطر كتيفات على أمور البلاد، وقيد الخليفة الحافظ بالسلاسل، وسجنه في القصر الفاطمي الذي يشغل جانبا من مكانه الآن جامع الحسين ومحلات خان الخليلي ولكن كتيفات لم يعمر طويلا في السلطة فقد داهمه اليانس على رأس مجموعة من الفرسان وقتله وفك أسر الخليفة السجين الحافظ لدين الله، وأعاده مرة أخرى إلى الخلافة فجازاه الحافظ بأن خلع عليه وعينه وزيرا لملكه.

لقد كان الأمير أبو الحسن يانس عاقلا ومهيبا ومحافظا على قوانين الدولة وقبل الوزارة كان يلقب “بالأمير السعيد”، وبعدها لُقب “بناصر الجيوش سيف الإسلام”، وكان كما وصفه المؤرخون شديد الهمة وكثير الشر ويبدو أن شره هو الذي أطاح به.

فقد قبض علي أحد الرجال المقربين من البلاط الفاطمي وقتله داخل قصره دون علم الخليفة الحافظ وقبل أن يفيق الحافظ من هذا التجاوز الخطير كان يانس قد ألقى القبض على أبرز رجال حاشيته ومنهم قاضي القضاة وداعي الدعاة وقتلهم جميعا فأشتد ذلك على الحافظ وبدأ يعد للخلاص منه واستدعى طبيبه وقال له اكفني أمر يانس فما كان من الطبيب الذي تعود على مثل هذه المهام إلا أن وضع له سما دمر أحشاءه فمات في داره بالحارة بعد أيام معدودة.

كتبت/إيمي علي