تلك الأنامل المعصوبة بالألم كيف تكتب وهي تنهار؟تحتضر فوق فراشها الأبيض موصومة بالحبر الأزرق الشاهد الوحيد على غنجها للكلمات ومراودتها الأحرف عن نفسها، هو الذي يجلس إلى جوارها في وداعها الأخير .
أهذه النهاية؟!
كل ما مضى كان تمهيدا للموت وليس بداية حقيقية، فكيف أبدأ وأنا لازلت واقفة مكاني منذ سنين لا أتحرك إلا بضع خطوات للأمام؟ هل يُشبِع الفتات بطونا جائعة؟ فقط يكفى طيورا صغيرة زرقاء أسيرة أقفاص كبيرة، بعضها في قصر وآخرون في شرفة متواضعة في بيت صغير.
أحرفي شاردة، ضربات قلمي خائبة، كقناص عاشق لا يستطيع قنص غزاله الرقيق وفي ذات الوقت يريد أن يسكت صوت أمعائه الملتوية من الجوع، فهل سينتصر العاشق فيموت جوعاً أم تلتهم الأمعاء مشاعر قلبه فيتحجر ويقسو؟
لم اكتب شيئاً يشبع روحي الصارخة من الجوع وأيضاً لم ابتعد كلياً كي لا يضمحل قلبي في نزيف رثاء للكتابة، أصبحت متعبة بالكتابة وأكثر تعباً دونها، الإعياء الراقي الذي لا شفاء منه إلا بالموت.
قرأت كثيراً وكثيراً ولم تنبت برأسي كلمة أستطيع قطف زهرها وعصر رحيقها وتقديمها شراباً مُسكراً لمريدي قلمي، أشعر وكأن الناس انفضوا من حولي لشُح كلماتي التي تسعدهم، آه لو تعلمون كم يعاني اصحاب القلم والكلم كي يسعدكم لبكيتم إشفاقاً عليهم.
أظن أن هذا يكفي اليوم من عزاء للروح الجائعة والقلب الذي ضربه الجفاف والأنامل التي شارفت على الموت.