مسرحية الزلزال.. الجزء الثالث.. المشهد الأخير

zilzal play

مسرحية الزلزال

المشهد الأخير.

تفتح الستارة وقد أخذ كل شخص زاوية من خشبة المسرح رافعا يده بالدعاء وعيناه اغرورقت بالدموع.

فاضل: رحماك يا الله؛ لو نجوت هذه المرة فلن أعيد الكرَّة، لن أستغل حاجة الفقراء لأشبع رغبات الأغنياء، لن أكون أداة في يد إبليس يلهو بها كيف يشاء، فقط أتوسل إليك لتنقذنا من هذا الزلزال المدمر، سوف أعيد الأطفال إلى ذويهم بل وأعطيهم كل ما لدي من مال حرام ليستعينوا به على تربيتهم.

أمين: يا ربنا يا رحمن يا رحيم إذا نجوت من الزلزال عهد عليّ أن أتوب توبة نصوحًا، سوف أتنازل عن كل ربح من صفقة الطعام الفاسد لصالح فقراء القرية، وما تبقى من الغذاء الفاسد سوف ألقي به في النهر، لن أفعلها مرة أخرى، يرفع صوته: “أشهد الله وأشهدكم يا أهل قريتي لن أعود مرة أخرى إلى الحرام، لن أعود إلى الحرام، لن أعود إلى الحرام”.

اقرأ أيضًا: مسرحية الزلزال

رشيد: يا إلهي يا غفور .. يا ودود يا من شملتني بسترك حين عصيتك إن هلكت في الزلزال فبمعصيتي وذنبي، وإن بقيت على قيد الحياة فسوف أعوض أل القرية عن غشي وخداعي لهم، سوف أزيد المكيال عن وزنه الطبيعي، يرفع صوته: “سامحوني يا أهل قريتي الكرام وسوف أعوضكم عن جريمتي التي ارتكبتها في حقكم الفترة السابقة”.

بشير (بتأثر): إذا مات القلب غابت الرحمة، وإذا غاب العقل زالت الحكمة، وإذا مات الضمير ذهب كل خير.

الشيخ درويش: لعلها تكون ساعة إجابة ويتوب الله عليكم ويرفع البلاء عن قريتنا، ويمنحكم جميعًا فرصة جديدة لتعودوا إلى الحلال وتتخلصوا من الحرام، اللهم عفوك ورحمتك وغفرانك.

فاضل: الله غفور رحيم، يقبل التوبة من عباده ويعفو عن المذنبين.

أمين: صدقت إن الله يغفر الذنوب جميعًا.

رشيد: كريم، حليم، غفور، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

الشيخ درويش: الأهم أن تصدق نواياكم وتصفو سريرتكم.

بشير: ماذا تنتظرون، أكثروا من الدعاء، لم يتبق سوى عشر دقائق على وقوع الكارثة.

الشيخ درويش: قد لا يحدث الزلزال.

بشير: بل سيحدث.. بل سيحدث…. الجميع أكّد على حدوثه، مصادري الدقيقة، وسائل الإعلام، القرى المجاورة، كل من في المدينة، لا صوت يعلو فوق صوت تأكيد الجميع على حدوثه.

صوت جلبة وأبواق سيارات وتدافع بشري ينتشر بين الجميع.

اقرأ أيضًا: ويجمعنا القدر الجزء الأول

بشير: ما هذه الأصوات؟ من هذا الذي يغامر بحياتي ويأتي إلى قريتنا قبل حدوث الزلزال بدقائق معدودات؟

يسمع صوت مؤثرات صوتية لتصدعات وهزات أرضية يخالطه صراخ الجميع تمتزج ببكاء نساء وأطفال ودعوات لله بأن يلطف بالجميع، أهل القرية يتبادلون النظرات ويتفحصون أنفسهم، الكل يحاول أن يتأكد أنه على قيد الحياة، صوت الهزات والتصدع يعلو شيئًا فشيئًا، أهل القرية يتحسسون الأرض بدهشة، تعلو أصواتهم: سبحان الله.. شيء عجيب.

فاضل: عجبًا لهذا الزلزال صوت بلا اهتزاز، لا أثر لدمار أو تهدم.

الشيخ درويش: سبحان الله إنها معجزة إلهية (يتحسس الأرض) الصوت صوت زلزال ولكن الأرض ثابتة لا تتحرك!

رشيد: نعم .. نعم؛ لم أسمع بذلك من قبل.. زلزال صوتي، الأرض لا تتحرك.. أمر عجيب.

بشير: كيف يحدث ذلك؛ لم يخبرني أحد بأن الزلزال سيكون صوتًا بلا حركة، الجميع أكدوا لي أنه سيكون مدمرًا لدرجة أن قريتنا ربما ستصبح أثرًا بعد عين.

فاضل: أطفالي.. ثروتي.. رأس مالي لن يصيبه أذى.. غدًا، أين دفتري.. لدي العديد من الطلبات.. أثرياء المدينة.. (يفتح دفترًا ويقرأ) محمد حسن طفلان، علي إبراهيم ثلاثة، راشد حسين خمسة، الكثير من العروض لشراء الأطفال بعضها بأثمان باهظة.

اقرأ أيضًا: ويجمعنا القدر الجزء الثاني

أمين يضحك بصوت عال: الحمد لله.. لم أتخلص من أغذيتي الفاسدة، صحيح أن أهل القرية علموا جميعا بالأمر.. لكن القرى حولنا كثيرة كما أن ذاكرة الناس سريعًا ما تنسى.. كل أمر ينسى بعد حين.. غدًا سنحقق الربح الوفير.

رشيد: لا حيلة؛ رغم نجاتي من الزلزال المزعوم إلا أن أهل القرية لن يثقوا بي ولا بمخبزي، ولكن لا بأس الجوع سوف يحضرهم إلى مخبزي وسوف أزيد المكيال مؤقتًا حتى أستعيد زبائني (يرفع صوته) وقتها تعود حليمة لعادتها القديمة.

بشير: أمر عجيب.. كيف حدث هذا؟ لم يخبرني أحد أن الزلزال يمكن أن يكون صوتًا بلا حركة، الأرض لم تهتز تحت أقدامنا.

يعلو صوت الزلزال بشدة تصم الآذان ويستمر لفترة، كل من على خشبة المسرح يضع يديه على أذنيه، الإضاءة تصل إلى درجة الإظلام، يظهر أشخاص في صورة أشباح يحملون صناديق كرتونية كبيرة يتحركون بصورة عشوائية تبدو كعملية سطو كبرى، تبدأ الإضاءة في العودة شيئًا فشيئًا للمكان، لا يبقى على خشبة المسرح سوى أحد الأشباح الملثمين ويقف بجانبه بشير:

بشير يخاطبه بتذمر: منَ أنت؟ ومنَ هؤلاء الذين كانوا بصحبتك؟ وماذا تفعل في قريتنا؟

الملثم: منَ أنا؟ لا يهم؛ ماذا أفعل في قريتكم؟ هذا الأهم.

بشير: لا أفهم شيئًا من ألغازك.

الملثم: سوف تفهم حالًا كل شيء، هل تذكر مكالمة الهاتف التي وردتك لتحذر أهل قريتك من زلزال مدمر؟

بشير: نعم أذكر جيدًا تلك المكالمة.

الملثم: أنا من أخبرك بأمر الزلزال، وجئت اليوم لاستكمال مهمتي ولأقدم لك جزيل شكري وامتناني على حسن صنيعك.

بشير: وأيُّ معروف قدمته إليك أستحق عليه ثناؤك وتقديرك.

الملثم ضاحكًا بصوت عال: لقد أحسنت صنعًا حين استجبت لمكالمتي وأخبرت الجميع بحدوث زلزال مدمر.

بشير: هذا واجبي نحو أهل قريتي ليتدبروا أمورهم قبل حدوثه.

الملثم: منحتنا فرصة العمر، يسرت أمورنا، وفرت علينا الوقت والجهد، ولذلك تستحق الشكر والثناء.

بشير: وما علاقة تحذيري لأهل القرية بأموركم.

الملثم: دعني أشرح لك الأمر بعد أن أنجزت مهمتك بشكل رائع.

بشير بلهفة: اشرح لي على وجه السرعة.

الملثم: قد لا تعلم يا عزيزي أن قريتكم من أقدم قرى العالم على الإطلاق، وأنها تملك تراثًا تاريخيًا جعلها في مقدمة الحضارات الإنسانية القديمة.

بشير مقاطعًا: وما الجديد في ذلك؟ كل أهل القرية يعلمون ذلك جيدًا، ولا يهتمون بذلك الأمر فالحضارة القديمة والتراث الإنساني لا تشبع جائعًا ولا تكسو عريانًا.

الملثم: الذي لا تعرفه أنني من مدينة عظيمة عصرية تأسست حديثًا ينعم أهلها بالتكنولوجيا والتقدم (يصمت قليلًا ثم يتحدث بأسى) ولكن…

بشير: ولكن؛ ماذا؟

الملثم: ولكننا كنا نفتقد الحضارة والتاريخ (يبتسم بخبث) حتى حدث زلزالكم، وانتشر الفساد في مجتمعكم.

بشير: وما علاقة زلزال قريتنا بكم؟

الملثم: حين أخبرت أهل القرية بأمر الزلزال وغادر الجميع مساكنهم وخرجوا للفضاء، تمت بنجاح عملية السطو على حضارتكم وتراثكم ونقلت بالكامل إلى مدينتا بسلام؛ فلك منا الشكر والثناء على نشرك لخبر الزلزال.

بشير: إذن الزلزال كان خديعتكم وكنت أنا أداة لتنفيذ هذه المؤامرة الدنيئة.

الملثم: بكل تأكيد يا عزيزي، كان أداؤك رائعًا وسذاجتك أروع.

بشير: لأنني نشرت الخبر دون تحقق.

الملثم: لا بل قل نشرته دون تفكر أو تدبر؛ فالزلزال لا يخبر أحدًا، شكر لك مرة أخرى، وإلى اللقاء حين نحتاج جهودك لزلزال قادم.

اقرأ أيضًا: ويجمعنا القدر الجزء الثالث

كتب: هشام أحمد.