قرأت لك, في أسلوب سلس هادئ آخاذ ينساب كقطرات الماء العذب.
وبلغة عربية سهلة يأخذنا الكاتب الطبيب محمد المنسي قنديل في رحلة عبر الزمن القريب.
نعود خمسين عامًا للخلف، وإن كنت أرى أن الأحداث وتفاصيلها تناسب بداية ستينات القرن الماضي، وليس بداية ثمانينات القرن الماضي، كما ذكر الكاتب ربما يرجع ذلك إلى أن أحوال الريف المصري لا تتغير ولا تتبدل عبر السنين.
ونتعرف من خلال هذه القصة على الطبيب الشاب القادم من القاهرة إلى إحدى قرى الصعيد البعيدة، التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحضارة والتقدم وليس بها إلا وحدة صحية مغلقة منذ زمن لهروب طبيب الصحة السابق بعد أن مسه الجنون والهذيان.
وصل الطبيب إلى القرية وهو محمل بكثير من مشاكل جيله المتمثلة بقلة الموارد والفقر، وعدم وجود حرية تعبير وسلطة أمنية، تلقي في السجون بأي شخص يعارض أو يعلن رأيًا مخالفًا لسياسة البلد.
قد أمضى هذا الطبيب عدة أشهر في السجون وعندما خرج فسخت خطيبته الخطبة، وتم نقله من عمله في القاهرة إلى أحراش الصعيد.
في تلك القرية النائية نتعرف على مراكز القوى، حيث يمثل المأمور رأس هرم السلطة، فهو الحاكم المطلق الذي يحق له أن يفعل ما يريد دون معقب على حكمه، ومن بعده يأتي العمدة الذي ترك أمور القرية وتفرغ لنهش جسد زوجته الجديدة التي رضيت به؛ هربًا من أسرتها الكبيرة المقدسة داخل حجرة واحدة تشترك مع عدة أسر أخرى في حمام عمومي واحد.
وكانت أمنية تلك الزوجة المقهورة طيلة طفولتها وشبابها أن تنعم ببضع دقائق من الراحة والاسترخاء داخل حمام خاص بها بمفردها، لا يطرق على بابه شخص مما يدعوها للخروج سريعًا.
ونعرف أثناء ممارسة الطبيب عمله عن معاناة أهالي القرية من كافة الأمراض، وخاصة البلهارسيا التي تدمي وتستنفد صحة وطاقة وعافية أهالي القرية جميعًا وخاصة الأطفال الذين يسبحون في الترع والمصارف.
كما نتعرف من خلال عمل هذا الطبيب في القرية عن صنف غريب من البشر وهم الغجر.
هؤلاء الغجر لا مكان لهم ولا وطن لهم، حيث إنهم ولدوا وعاشوا في غفلة من الزمن فلا أحد يعرف لهم أصل ولا نسب.
يكرههم جميع أهالي القرية، ويتهمونهم بكل الذنوب والخطايا والصفات السيئة.
فهؤلاء الغجر لصوص قوادون نصابون، نسائهم راقصات عاهرات.
لكن ما أن يأتي الليل يتسلل إلى خيام هؤلاء الغجر شباب ورجال أهالي القرية؛ ليشاهدوا رقص نسائهم، يسمعون غناءهم، يشربون خمورهم، يدخنون حشيشهم، ويدفعون أموالهم عن طيب خاطر لهؤلاء الغجر.
حتى إذا ما جاء الصباح عاد أهالي القرية إلى بيوتهم ولعنوا هؤلاء الغجر، وطالبوا السلطة بطردهم من القرية أو سجنهم عن أفعالهم الإجرامية.
هذه بعض من انطباعاتي عن تلك الرواية التي تستحق القراءة، للكاتب والطبيب محمد المنسي.