في هذه الأيام أصبح انخفاض الجنيه المصري حديث يشغل الشعب وما ينتج عنه في الاقتصاد المصري والحياة في الفترة الحالية والقادمة، لذلك شغل الاستثمار الأجنبي حديث الصحف والبرامج الحوارية، وإنه المنقذ والحل السحري لكل مشاكلنا الاقتصادية والمعيشية، ومن أجل الاستثمار الأجنبي والأموال الأجنبية قمنا بتخفيض قيمة عملتنا المصرية، لنجذب مالكي الأموال وعرضنا شركاتنا الوطنية المصرية الناجحة للبيع وسواء تم البيع بالسعر العادل أو السعر الظالم أو السعر الفاسد، فالنتيجة واحدة انخفاض مستمر في قيمة العملة الوطنية، فلماذا إذن نتكالب على الاستثمارات الأجنبية وهل هي مفيدة أم ضارة، هل هي العلاج أم هي الداء والمرض؟
لنستعرض ونجيب عن هذا السؤال يجب أن نفصل الأمر.
انخفاض الجنيه المصري وعلاقته بالاستثمار الأجنبي:
لا شيء كله منافع أو كله أضرار، ومن نقيع السم يستخرج الترياق والدواء، المهم كيف نستعمل السم أو كيف نتناول العسل؟
ولكن الشيء الذي لا فائدة من وراءه إلا منفعة لحظية وفائدة مؤقتة، بالتأكيد سوف يتحول إلى مصيبة وكارثة وطنية وهي بيع شركات الدولة الرابحة وبيع الأصول التي تعود بريع وربح على الدولة المصرية.
ونقول كارثة وطنية لأن المشتري مهما كانت جنسيته وقلبه طيب طاهر وبشكل قانوني ماذا سيفعل بأرباح شركته التي اشتراها من مصر؟
من المؤكد أنه سوف يقوم بتحويلها إلى دولار ويرسلها إلى بلاده أو المركز الرئيسي لنشاطه الاقتصادي.
وهنا المصيبة فهو يقدم خدمة في مصر يحصل مقابلها على جنيه مصري ويحوله إلى دولار، يؤدي ذلك إلى الضغط المتواصل للحصيلة الدولارية للدولة، كلما بعنا شركات أكثر كلما خرجت أموال أكثر وكأننا نجفف نهرا عظيما بالأخذ منه ليل نهار دون أن نعوض هذا النقص.
ومن أين نعوض نقص عملة الدولار؟
إننا نريد مدخلات تصديرية، مثل:
- التصدير لكافة المنتجات الصناعية والزراعية والخدمية.
- زيادة السياحة لمصر.
- تقليل الاستيراد.
ومن هنا تظهر الصورة الحقيقية وهي أن الاستثمار الأجنبي والأموال الأجنبية إن كانت لبناء مصانع للتصدير ومزارع للتصدير وخدمات للتصدير تعود على البلد بعملات أجنبية فأهلا وسهلا بها، لأن هذه الأموال الدولارية عندما يستقطع منها جزء كأرباح للمستثمر يعود بها لبلاده أو مركز نشاطه الاقتصادي فلا ضرر ولا ضرار لأن معظم العائد الدولاري سيدخل إلى البلد.
أما إن كانت الأموال الأجنبية لشراء شركات تقدم سلعة وخدمة بالجنيه ولا تصدر منها شيئا فخروج أرباح هؤلاء المستثمرون سيكون أحد أسباب المشكلة المصرية من نقص المحصول الدولاري وانخفاض الجنيه المصري، مما يعنى مزيد من ارتفاع الأسعار وارتفاع تكاليف خدمه الدين للدولة المصرية.
مثال على بيع الشركات العالمية ونجاحها:
في عام 1984 م أفلس عملاق الموضة الأوروبية والعالمية ديور، لو مرشيه وأعلن عن بيعهما وبرغم أنهما شركات خاصة لكن الحكومة الفرنسية هي من تولت البيع وبحثت عن مشتري يكون فرنسي الأصل ذا كفاءة في إدارة مثل هذه المشاريع وبعد فترة اهتدت إلى برنارد أرنو أغنى رجل في العالم حاليا، لكنه في ذلك الوقت كان يشق طريقه نحو القمة وقدم برنارد ١٥ مليون دولار من أموال أسرته واقترض 45 مليون دولار من البنوك الفرنسية وبعد أن اطلعت الحكومة الفرنسية إلى خطة إنقاذ أحد أهم معالمها ومواردها الاقتصادية سمحت بالبيع.
وبعد ثلاث سنوات فقط من التطوير والتحديث والتسويق، بلغت أرباح الشركتين 187 مليون دولار وعائدات بلغت ملياري دولار والآن أصبحت هاتان الشركتان العالمتان درة التاج لأغنى رجل في العالم بأموال تقدر ب 195 مليار دولار، هكذا يتم البيع وهكذا يتم التطوير والإدارة.
فماذا بعد شهادات ال 25% التي أصدرتها الحكومة وجمعت منها حتى الآن 130 مليار جنيه مصري، من أين سيتم سداد فوائد هذه الشهادات؟
أرجو أن نمتلك القدرة على الاختيار والتمييز بين السم والعسل، وأن يتم حل أزمة انخفاض الجنيه المصري.
اقرأ أيضا: إليك أفضل 5 طرق الخروج من أزمة ارتفاع الأسعار
اقرأ أيضا: هزة جديدة للاقتصاد المصري.. زيادة شهادات الاستثمار في البنوك بنسبة 25%
كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم.