الإمام الشافعي، المعروف أيضًا باسم (شيخ الإسلام)، هو واحد من الأئمة الأربعة الكبار لمدارس القانون السنية، وهو أيضًا مؤلف للعديد من الأعمال البارزة في هذا المجال، ولقب بـ (ناصر الحديث) الذي يعني مدافع الحديث.

الإمام الشافعي خلفيته وأسرته:

اسم الإمام الكامل هو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب (والد عبد المطلب جد النبي محمد) بن عبد مناف بن قُصي كلاب بن مُرة بن بن كعب بن لؤي بن غالب، وهو الإمام الوحيد الذي له صلة بالنبي محمد لأنه ينتمي إلى قبيلة قريش، وهي القبيلة الشقيقة لبني هاشم (قبيلة النبي محمد).

حياته المبكرة وتعليمه المبكر:

ولد الإمام الشافعي في عام 150 هجرية (767 م) في غازي بفلسطين، وهو نفس العام الذي توفى فيه الإمام العظيم أبو حنيفة، فقد والده في طفولته وترعرع على يد والدته في ظروف سيئة للغاية، وخوفًا من هدر نسب ابنها، قررت والدته الانتقال إلى مكة حيث يعيش أقاربهم، كان الإمام صغيرًا جدًا في ذلك الوقت، ونقل بعض العلماء أنه كان في الثانية من عمره عندما هاجرت والدته إلى مكة المكرمة؛ لذلك قضى سنوات تكوينه في الحصول على التعليم الديني في مدينتي مكة والمدينة المنورة، وفقًا لبعض المصادر قيل إنه حفظ القرآن في سن السابعة أو التاسعة.

الإمام الشافعي

الإمام الشافعي

رحلته للبحث عن المعرفة:

تميز تعليمه المبكر بالفقر الذي لم تستطع والدته بسببه دفع رسوم تعليمه وبالتالي بدلًا من المشاركة في الفصول، كان يجلس الإمام الشاب على الخطوط الجانبية ويأخذ كل شيء فقط من خلال الاستماع إلى ما كان معلمه يعلمه للأطفال الآخرين في الفصل، فأصبح بارعًا جدًا في تعلم وتخزين المعرفة على الرغم من مجرد الاستماع، ويحكى أنه في المناسبات عندما كان معلمه غير قادر على أخذ فصل، كان الإمام الشاب يتدخل ويأخذ فصل تعليم زملائه الطلاب، وكان معلمه معجبًا جدًا بقدراته حتى أنه أخذه كطالب رسمي دون رسوم، وكان الإمام نفسه يقول: “بعد أن انتهيت من تعلم القرآن، كنت أذهب إلى المسجد وأجلس مع العلماء أستمع أقوال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والمسائل الإسلامية، كنت أعيش في مكة بين سكان الخيام في مثل هذه الحالة من الفقر الذي لا أستطيع حتى تحمل نفقته من الورق للكتابة، لذلك كنت أكتب على الحجارة والعظام بدلًا من ذلك”.

اقرأ أيضًا: إمام الفقه والحديث.. بوابة العلم.. الامام الشافعي

الشافعي والإمام مالك:

في سن الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة، أذن معلم الشافعي بإصداره الفتاوى القضائية، أثناء دراسته في مكة سمع الشافعي عن عالم المدينة المشهور(الإمام مالك بن أنس) وكان يريد أن يصبح تلميذًا لدى الإمام مالك إلا أنه رأى بذكائه الحاد أنه لا ينبغي له أن يذهب إليه وهو غير مستعد، فقد حفظ كتاب الإمام مالك الشهير “الموطأ” في تسعة أيام فقط، ثم بعد ذلك ذهب لرؤية الإمام مالك في منزله في المدينة المنورة، تحدث الشافعي ببلاغة وتهذيب مع الإمام وقال له إنه يرغب في أن يصبح تلميذه، فنظر الإمام إلى الصبي لفترة طويلة بينما كان الصبي يحكي قصته عن كيفية البحث عن المعرفة حتى الآن، كان الإمام يتمتع ببصيرة نافذة وقال له: “ابني! بمشيئة الله سيكون لك مستقبل عظيم غدًا تعالوا إليّ واجلبوا معكم من يستطيع قراءة “الموطأ” جيدًا، حيث أخشى ألا تكونوا قادرين على قراءتها بأنفسكم “. رد الشافعي بنفس الأدب “إمام، سأقرأه بنفسي من الذاكرة بدون كتاب”.

اقرأ أيضًا: بدر الدين الجمالي..القاضي على الشدة المستنصرية

عودته إلى مكة المكرمة:

بعد وفاة الإمام مالك، عاد الإمام الشافعي إلى مكة المكرمة مع قدر كبير من المعرفة التي أثرت على حياته.

زواجه:

في مكة المكرمة كان متزوجًا من (حميدة بنت نافع) حفيدة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وأنجب منها ثلاثة أطفال عثمان وأبو الحسن وفاطمة.

اضطهاده:

التقى والي اليمن أثناء زيارته مكة الشافعي واكتشف قدراته الفريدة وعرض عليه منصبًا إداريًا في اليمن ولكن مثل سلفه الإمام أبو حنيفة، عانى الإمام الشافعي أيضًا من الاضطهاد السياسي والمكايد ولكن لحسن الحظ لم يتعرض للتعذيب على عكس الإمام أبي حنيفة.

ألقي القبض على الإمام الشافعي ووجهت إليه تهمة التدخل السياسي في اليمن، فقام خليفة ذلك الوقت هارون الرشيد بفحصه ووجد أنه بريء من جميع التهم الموجهة إليه وأفرج عنه بشرف.

بعد ذلك بوقت قصير، التقى محمد بن حسن الشيباني أحد أهم تلاميذ الإمام، وازدادت اتصالاته ومناقشاته مع الشيباني فعزز بذلك معرفته وعلاوة على ذلك، أتيحت الفرصة للشافعي لدراسة كتب الشيباني وعلماء عراقيين آخرين في بغداد بعد رحلاته، عاد إلى مكة المكرمة وخلال هذه الرحلات في كل مكان زاره، رتب الاجتماعات ونظم دوائر الدراسة التي حضرها العديد من العلماء الكبار مثل: أبو دوار، الزعفراني، كما حضر الإمام أحمد بن حنبل دائرته ودرس مع الشافعي.

آخر محطة للشافعي كانت مصر حيث بقي حتى وفاته، فاستقبله الشعب والعلماء في مصر بشرف واحترام كبيرين لكونه تلميذ الإمام مالك ولسمعته في الفقه.

اقرأ أيضًا: أبو مسلم الخراساني..سلم صعود الدولة العباسية

تعلميه:

تعلم الإمام الشافعي على يد العديد من العلماء في أماكن متنوعة مثل: مكة المكرمة والمدينة المنورة والكوفة والبصرة واليمن وسوريا ومصر، وفيما يلي بعض العلماء البارزين الذين درّسوا الشافعي:

1- المسلم بن خالد الزنجي (في مكة المكرمة).

2- سفيان بن عيينة الهلالي (في مكة).

3- إبراهيم بن يحيى (في المدينة المنورة).

4- الإمام مالك بن أنس (في المدينة المنورة).

5- الجراح بن المالح الكوفي (في الكوفة).

6- محمد بن الحسن الشيباني (في البصرة).

7- حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (بالكوفة).

8- عبد الوهاب بن عبد المجيد الدوسري (في البصرة).

طلابه:

كان لدى الشافعي الكثير من الطلاب الموهوبين، وبعضهم أصبح معلمًا بارزًا، من بين أفضل طلابه:

1- الإمام أبو يعقوب البويطي.

2- أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزاني.

3- الربيع بن سليمان المرادي.

4- أبو علي الكرابيسي.

5- إبراهيم بن خالد أبو اليمان.

6- الإمام أحمد بن حنبل، وقال الإمام أحمد بن حنبل ذات مرة: “لولا الشافعي لما عرفنا ما الحديث”.

الإمام أحمد بن حنبل

الإمام أحمد بن حنبل

كتب الشافعي ومؤلفاته:

مؤلفات الإمام الشافعي في أصول الفقه:

كان الشافعي صاحب تصنيفات عديدة في أصول الفقه، وهو أول من كتب فيه، فبلغت كتابته في أصول الفقه ثلاثة عشر كتابًا، وهم كما يلي:

كتاب الرسالة للشافعي

كتاب الرسالة للشافعي

  • كتاب الرسالة القديمة.
  • كتاب الرسالة الجديدة.
  • كتاب اختلاف الأحاديث.
  • كتاب جماع العلم.
  • كتاب إبطال الاستحسان.
  • كتاب أحكام القرآن.
  • كتاب بيان فرض الله _عز وجل_.
  • كتاب صفة الأمر والنهي.
  • كتاب اختلاف مالك والشافعي.
  • كتاب اختلاف العراقيين.
  • كتاب الرد على محمد بن الحسن.
  • كتاب علي وعبدالله.
  • كتاب فضائل قريش.

مؤلفات الإمام الشافعي في الفقه الإسلامي:

جُمِع فقه الإمام الشافعي في كتابه (الأم)، وقد احتوى الكتاب تقريبًا على كل أبواب الفقه، وهما:

كتاب الأم للشافعي

كتاب الأم للشافعي

  • باب في الطهارات، جمع خمسة كتب.
  • باب في الصلوات، جمع أحد عشر كتابًا.
  • باب في الزكوات، جمع خمسة كتب.
  • باب في الصيام، جمع ثلاثة كتب.
  • باب في الحج، جمع ثلاثة كتب.
  • باب في المعاملات، جمع سبعة عشر كتابًا.
  • باب في الإجارات، جمع عشر كتب.
  • باب في العطايا، جمع ثلاثة كتب.
  • باب في الوصايا، جمع خمسة كتب.
  • باب في الفرائض وغيرها، جمع أربعة كتب.
  • باب في الأنكحة، جمع ستة عشر كتابًا.
  • باب في الجراح، جمع عشر كتب.
  • باب في الحدود، جمع ثمانية كتب.
  • باب في السير والجهاد، جمع سبعة كتب.
  • باب في الأطعمة، جمع ستة كتب.
  • باب في القضايا، جمع ستة كتب.
  • باب في العتق وغيره، جمع ثمانية كتب.

اقرأ أيضًا: الرشيد ونقفور .. معارك العزة

مؤلفات الإمام الشافعي في القرآن وعلومه:

ألف الشافعي كتابًا في أحكام القرآن لكنه مفقود، لكن كتاب أحكام القرآن للشافعي، من تأليف الإمام أبو بكر البيهقي، فقد جمع أقوال الإمام الشافعي في الآيات من كتبه وكتب طلابه، والكتاب من اسمه هو كتاب تفسير فقهي.

مؤلفات الإمام الشافعي في الحديث وعلومه:

هناك مسند أحاديث للشافعي المعروف بمسند الشافعي، جمعه وصنفه (أبو العباس الأصم)، ويضم هذا الكتاب 1675 حديثًا، ولكن يُعاب عليه كثرة تكراره للأحاديث.

مسند الشافعي

مسند الشافعي

آخر أيامه وموته:

بقي الإمام الشافعي يتابع روتينه اليومي حتى أجبره المرض على التقاعد والتوقف عن التدريس في أيامه الأخيرة قبل وفاته، قال الإمام: “أَشْعُرُ أَنِّي مُسَافِرٌ مِنْ هَٰذَا ٱلْعَالَمِ، بَعِيدًا عَنِ ٱلْإِخْوَةِ، شَارِبًا مِنْ كَأْسِ الْمَوْتِ، وَمُقْتَرِبًا مِنَ اللَّهُ الْمُجْدِدِ، وَبِلَا أَعْلَمُ إِنْ كَانَتْ نَفْسِي إِلَى السَّمَاءِ لِأُهْنِئَهَا أَوْ إِلَى السَّهَنَّمِ لِأَنْدَبَ”.

ثم ذهب ليبكي حيث أصبح مريضًا جدًا في نهاية حياته، حافظ الإمام الشافعي على رفقة المثقفين حتى نهاية حياته، ويقال إنه قضى أيامه الأخيرة بصحبة عبد الله ابن الحكم، وهو عالم معروف في عصره، ويعتقد أنه توفي يوم الجمعة في شهر رجب عن عمر 54 عامًا في عام 204ه‍، وقد اعترف حاكم مصر في ذلك الوقت بامتيازه الأكاديمي ليس فقط بحضور جنازته بل أيضًا بقيادة تلك الصلوات، وكان ابناه أبو الحسن محمد وعثمان حاضرين في مراسم الجنازة.

دفن الإمام الشافعي في قبو بني عبد الحكم، عند سفح تلال المقطم في القاهرة، مصر عام 204 ه‍.

كتبت: نورهان أحمد.