هل تتساءل كيف يمكن أن تستمر الأمثال الفرعونية في حياتنا حتى اليوم؟، تلك الأمثال التي تناقلها المصريون القدماء عبر آلاف السنين، ما زالت تردد على ألسنتنا حتى اليوم، وذلك لأنها تعبر عن حكمة وتجارب الأجداد، والتي لا تزال ذات صلة بنا في العصر الحديث، دعونا ننطلق في رحلة مثيرة إلى عالم الأمثال الفرعونية في حياتنا، واستكشاف سبب استمرارية الأمثال الفرعونية في حياتنا حتى اليوم.
الأمثال الفرعونية في حياتنا:
اكسر وراه قلة:
من أهم الأمثال الفرعونية في حياتنا اليومية هي عادة كسر القلل، وهي عادة تتبع وراء أي شخص مكروه، أو سلوك غير مرغوب فيه وموجودة في التاريخ المصري القديم، وموسوعة أمثال المصريين أيضًا للكاتب أحمد تيمور باشا ورد ذكر هذه العادة، وهي حكاية لها أصل ومستمرة من آلاف السنين ويتوارثها الأجيال بالفطرة مارسها الفراعنة منذ القدم بطرق وأسباب مختلفة.
ويعود أصل حكاية تكسير القلل إلى الأسرة الثالثة عشرة الفرعونية، وهو العصر الذي سمي في التاريخ بعصر الانحطاط والاضمحلال، حيث تفتتت فيه البلاد وانتشر فيه الفساد والصراع على الحكم، فاعتاد المصريون على صناعة تماثيل فخارية تشبه هؤلاء الحكام، ثم يكتبون عليها تعاويذ معينة بالحبر الأحمر، ثم يكسرونها، اعتقادًا منهم أنهم بهذا التكسير الرمزي سيكسرون حكامهم ويقصفون أعمارهم، واستمرت هذه العادة.
ولكن المصريين ادخلوا فيها بعض التعديلات في العصر اليوناني والروماني، حيث كانوا يقومون بكسر القلل أيضًا في جنائز موتاهم فوق المقبرة بعد أن ينتهوا من الأكل فيها وأطلقوا عليها اسم (شقف)، ومن أشهرها مقابر كوم الشقافة بالإسكندرية، والتي سميت بهذا الاسم نسبة إلى الشقف المكسور التي تعني باللغة المصرية القديمة جزءًا من الفخار المكسور، واستمرت هذه العادة حتى الآن بعد التخلص من شخص غير مرغوب فيه يقال اكسر وراه قلة.
اقرأ أيضًا: الأمثال الشعبية.. قصص وحكايات أم مجرد كلمات؟
اسفوخس عليك:
هاتان الكلمتان من الأقوال أو الأمثال الفرعونية في حياتنا اليومية، ومعذرة عزيزي القارئ معروف أنهما كلمتان للشتم والسب، ولكن الحقيقة سنعرفها معا الآن، (سفخ إخص) أي عليك 7 لعنات، لأن (سفخ) تعني رقم 7، إخص تعنى لعنة ودعوة، ثم طور المصريون كلمة سفخ إخص وصارت كلمة واحدة تنطق (اسفوخس)، وصار معناها البصق، وبالبحث عن هذا المعنى وجدناه مرتبطًا بمقولة أخرى وهي (تف من بقك)، وهي تقال حتى لا يتحقق الفأل السيئ، فصار معناها ابصق حتى لا تلتصق بك اللعنة.
كوتوموتو يا حلوة يا بطة:
وهي مقولة طريفة تعتبر من الأقوال والأمثال الفرعونية في حياتنا اليومية، وبالرغم من أنها تتردد على ألسنة المصريين ويتغنون بها، إلا أنه لم يتساءل الكثيرون عن أصلها، كوتوموتو أو (كاموت إف) كما قال قدماء المصريين هي مقولة تفتح أبواب من الحب المتدفق الذي يعود لآلاف السنين، تعني نور أمه وحبيب أمه، وهي كلمة مصرية قديمة عاشت في الوجدان الشعبي للمصريين لمدة 7 آلاف عام، وقد جسد المصريون القدماء أعلى معنى للأمومة في حتحور أو (حوت حر)، وكانت رمزًا للحب والجمال والأمومة، وصوروها على هيئة بقرة سماوية في الميثولوجيا المصرية.
ويقال في قصة إيزيس وأوزوريس المعروفة أن حتحور قامت بدور الأم البديلة مع (حورس) الطفل الرضيع الذي تركته أمه إيزيس في أحراش الدلتا، وراحت تبحث عن أشلاء زوجها أوزوريس، فصار (حورس) ابنًا لحتحور وهي من قامت بإرضاعه والعناية به، وبعد ذلك عندما اشتد الصراع بين حورس وعمه ست الذي قام باقتلاع عين حورس اليسرى، قامت حتحور بعلاج عين حورس عن طريق وضع قطرات من لبن غزالة برية بداخلها ففتح حورس عينيه وتم شفاؤه.
وكانت حتحور مرتبطة بكل الأطفال وكل المواليد الجدد، فهي التي كانت تبعث بالسبع حتحورات أو السبع بقرات كما ذكرت الأسطورة ليتم استقبال المولود الجديد حين مولده، والسبع حتحورات تعني بنات النور اللاتي يشبكن أيديهن في حلقة مستديرة تقودها الأم السماوية حتحور، ويقمن بعزف الدفوف وهز الشخاشيخ أمام وجه الطفل وذلك لحمايته من الحسد والأرواح الشريرة كما يعتقدن، ومن هنا ارتبطت حتحور برقم 7، وحتى الآن تقوم الأمهات بوضع السبع حبات بجوار المواليد الجدد لحمايتهم من الحسد والشر.
وكاموت إف التي تعنى حبيب أمه وثور أمه وسندها عندما يشتد عوده، تم تغيير وتطوير كلمة (كاموت إف) في الوجدان الشعبي المصري وأصبحت كوتوموتو، وأضيف إليها مع الوقت كلمتي يا حلوة يا بطة التي تستخدمها الأمهات لتدلل بها أبناءهن الصغار.
ختامًا عزيزي القارئ، يمكننا القول أن استمرارية الأمثال الفرعونية في حياتنا، دليل على صدقها وعمقها، فهي تعكس طبيعة الإنسان وتجاربه في الحياة، وتعبر عن مشاعره وأحاسيسه، كما أنها تتميز بأسلوبها السهل والبسيط، مما يجعلها سهلة الفهم والتذكر.
اقرأ أيضًا: الأمثال الشعبية.. تراث من عمر فات تتناقله الأجيال
كتبت: سحر علي.