حكاية مكان عزيزي القارئ هي سلسلة مقالات سيتم نشرها إن شاء الله بصفة دورية، نتناول فيها في كل مرة حكاية مكان مميز تاريخيًا، أو ثقافيًا، أو اجتماعيًا، أو شعبيًا ونستعرض فيه أهمية هذا المكان، وقيمته وتاريخ نشأته، وتطوره عبر الزمن، ونرجو لهذه السلسلة أن تحوز إعجابك عزيزي القارئ وتعطيك المعلومة والفائدة المرجوة، وحكاية مكان اليوم سنتناول فيها حكاية مسجد أحمد بن طولون.
مسجد أحمد بن طولون هو أحد المساجد الأثرية الموجودة في القاهرة، بناه أحمد بن طولون، ويعتبر هذا المسجد من المساجد المشهورة وسنقوم في السطور التالية بزيارته ومعرفته عن قرب.
ماذا تعرف عن مسجد أحمد بن طولون؟
يقع مسجد أحمد بن طولون في حي السيدة زينب في ميدان أحمد بن طولون بمحافظة القاهرة، بدأ بناؤه في عام 877 ميلادية، 263 هجرية، واستغرق بناؤه عامين حتى عام 879 ميلادية، 265 هجرية، وتبلغ مساحة المسجد حوالي 6 أفدنة ونصف، يوجد في المسجد مئذنة واحدة، كما توجد قبتان واحدة كبيرة الحجم والأخرى صغيرة.
ومن الناحية الهندسية المعمارية فإن مسجد بن طولون مصمم على النمط المعماري العباسي ويعتبر انتقاله هائلة في تاريخ العمارة الإسلامية لدرجة اعتراف الأوروبيين بأنفسهم بتأثيره في تطوير العديد من خصائص الهندسة المعمارية التي ظهرت لأول مرة، مثل القوس المدبب، والرصيف، والأسوار الحائطية، والتي تعتبر الأساس الذي تكونت منه الهندسة المعمارية، والتي ساعدت أوروبا في عصر النهضة.
اقرأ أيضًا: حكاية مكان.. شارع المعز رمز ثقافي وحضاري لمصر
طرائف أثناء بناء المسجد:
من الطرائف التي حدثت أثناء بناء مسجد أحمد بن طولون يقال أن المهندس المعماري الذي يشرف على بنائه قام بحركة غريبة وهي أنه لف بين يديه قرطاسًا من الورق ليوضح للعمال شكل المئذنة التي يريدها، ليحصل في النهاية على شكلها الحالي.
وتقول أيضًا بعض المصادر التي تزعم نقلًا عن المقريزي، أن المهندس المشرف على بناء المسجد كان مسيحيًا مصريًا، واقترح استخدام أرصفة بديلة للعدد الكبير من الأعمدة الضرورية لدعم سقف المسجد.
ولكن وعلى كل الأحوال فإن مسجد أحمد بن طولون في شكله النهائي يشبه مسجد المتوكل في مدينة سامراء، حيث عاش بن طولون معظم فترات حياته.
ماذا يمكنك مشاهدته خلال زيارتك مسجد بن طولون؟
عند زيارة المسجد، يمكنك التجول في المسجد بطول 162 مترًا، والمرور على قاعاته الرئيسية مثل قاعة الصلاة، وأروقة المسجد، ومحراب القبلة الرئيسي، وهو محراب مقوس على جانبيه عمودان متلازمان، وتستطيع أيضا عزيزي الزائر مشاهدة ساحة (شاهن)، وهي ساحة تقع جنوب قاعة الصلاة، ومحاطة بأروقة مغطاة، ومزخرفة بشكل إسلامي رائع، بالإضافة إلى عدد كبير من الأبواب التي تُحيط بالمسجد، والتي يبلغ عددها حوالي 42 بابًا، نصفها ينتمي إلى المسجد الأصلي، كما ستشاهد أيضًا المئذنة الحلزونية الشهيرة، التي توجد مثلها في مسجد سامراء.
أما عن مواعيد الزيارة فيمكنك عزيزي الزائر زيارة المسجد في الفترة من الساعة التاسعة صباحًا، وحتى الرابعة مساءً للسياحة، بالإضافة إلى فتحه أوقات الصلاة، والجدير بالذكر أن الدخول مجاني ولا توجد أسعار أو تذاكر للدخول.
ماذا تعرف عن أحمد بن طولون؟
سنوجز لك بعض المعلومات عن أحمد بن طولون في النقاط التالية:
- أحمد بن طولون هو مؤسس الدولة الطولونية التي نشأة قديمًا في مصر والشام.
- تعود أصوله إلى قبيلة تغزغز الموجودة في تركيا.
- كانت أسرة بن طولون تعيش في مدينة بخاري، وكان والده مملوكًا لواليها نوح بن أسد.
- اسم طولون في اللغة يعني البدر المكتمل.
- أنجب طولون أبناء منهم أحمد الذي كان يلقب بأبي العباس.
- ولد أحمد بن طولون في عام 835م في مدينة بغداد بالعراق، ووالدته كانت جارية تسمى قاسم.
- كان أحمد مجتهدًا ولا يحب اللهو واللعب، وكان شديد البنية قوي الجسم، لذلك قام الوزير بإرساله إلى ثغر طرسوس للعلم والدراسة.
بعد وفاة طولون استلم أحمد بن طولون أعمال والده العسكرية، وبسبب حسن عقله وحكمته تم تعيينه في منصب نائب عن المعتز ولي بايكباك.
سبب بناء مسجد بن طولون:
في عام 870 م، أنشأ أحمد بن طولون مدينة القطائع لتكون مدينة له، وموقعًا لجنوده وحاشيته، وكان مسجد الجامع في ذلك الوقت هو مركز العواصم الإسلامية، لذلك أراد أحمد بن طولون إقامة مسجدًا ضخمًا حتى يكون مسجدًا بديلًا للمسجد الجامع بسبب ضيق مساحته، ولقد بدأ بناء المسجد عام 877 م وتم الانتهاء منه بعد عامين، أما عن تكلفة المسجد فكانت مائة ألف دينار في أول الأمر، ولكن أضيف للتكلفة عشرون ألف دينار بعد الانتهاء من المسجد.
بعد بناء المسجد نقل أحمد بن طولون العلماء والقراء إلى المسجد، والجدير بالذكر أن أحمد بن طولون كان رجلًا صالحًا تقيًا، يحرص على إطعام الفقراء والمساكين والتصدق بمبالغ كبيرة، حتى أنه كان يحرص على الصلاة في المسجد، وكان المسجد قديمًا يعرف باسم الجامع الفوقاني.
وختامًا عزيزي القارئ، من خلال زيارتنا لهذا المكان الذي يحمل بصمة الحضارة الإسلامية، ندرك أهمية الاحتفاظ بتراثنا والتفاخر به، مسجد أحمد بن طولون يظل مكانًا للتأمل والتاريخ، يتيح لنا فهمًا عميقًا لمساهمة أسلافنا في بناء حضارة تتميز بالتفوق الفني والروحانية.
اقرأ أيضًا: حكاية مكان.. المسجد الأقصى أسرار وتاريخ
كتبت: سحر علي.