في عالم موسيقي تشكل فيه الإبداع والتميز قاعدة لا غنى عنها، يظهر الفنان الرائع الحسن علي بن نافع الملقب بزرياب الموسيقى، فنان من طراز فريد ينبض بالحيوية في أرض الرافدين، حيث تجسدت إبداعاته في عصر الخليفة العباسي العظيم هارون الرشيد، لقد أحدث زرياب تحولًا كبيرًا في عالم الموسيقى، إذ كان صوته يتسم بالعزوبة ولسانه يتحدث بفصاحة لا تضاهى.
وتألق زرياب ليس فقط في عالم الموسيقى بل وفي عالم الذوق والإبداع، تميز بصوته الرائع الذي أطلق عليه لقب (الشحرور)، وكان له لقب آخر يعكس جماله وأسلوبه المميز وهو (زرياب)، وهي تسمية مأخوذة من اسم طائر أسود ذي صوت عذب.
زرياب ليس فقط مطربًا بل مبتكرًا في عالم الموسيقى، وعبقري في فهم الذوق، بفضل ذكائه وموهبته نقل حضارة الشرق إلى أرجاء الأندلس والعالم بأسره، فكان يعتبر مؤسسًا للأيقونات الموسيقية، يومًا بعد يوم كان يختلق التفرد والتميز، وكانت له بصمته الخاصة في تسمية الأيام بمصطلح (الإتيكيت)، فأصبح له آثاره المتداولة في أنحاء العالم.
من هو صاحب الفضل على زرياب الموسيقى وقدمه للعالم؟
يقال إنه ولد عام 161هـ/ 777م، نشأ في بغداد في الموصل، وكان طالبًا لأشهر مغنٍ في العصر العباسي وقتها وهو إسحاق الموصلي، فقد تتلمذ على يده وأوصله للشهرة وقتها، كانت بداية شهرته التي كان للخلفية العباسي هارون الرشيد الفضل الكبير فيها؛ بأنه أمر إسحاق الموصلي أن يحضر معه مغنيًا جديدًا عند لقائه، وهنا جاءت الفرصة لزرياب وغنى له (يا أيها الملك الميمون طائره هارون راح إليك الناس وابتكروا).

من هو صاحب الفضل على زرياب الموسيقى وقدمه للعالم؟
وكانت هذه الكلمات قد أثرت على هارون الرشيد فطلب من إسحاق الاحتفاظ بزرياب الموسيقى، وهنا دبت الغيرة والحقد بإسحاق فقام بتهديد زرياب إما الانصراف إلى بلده بغداد والعودة إليها أو سيقتله، فاختار زرياب العودة إلى بغداد، فخرج إلى بلاد الشام ومنها لشمال أفريقيا وظل مدة طويلة في بلاد القيروان، إلى أن جاء الوقت للتوجه إلى الأندلس والعودة.
وكان وقتها الحكم بن هشام قد توفي وكتب إلى أمير قرطبة الحكم بن أبي العاص الأموي أن يعرض عليه خدماته، فوافق الأمير المعروف بالحكم الربضي، وحين وصل زرياب للأندلس وجد خليفته (عبد الرحمن الثاني)، وبعد أن دخل القصر وأصبح من حاشية الملك غنى بحضوره وبعد أن سمعه جعله أقرب المقربين له، وقدم له قصرًا فاخرًا ومرتبًا شهريًا يقدر بمائتي دينار وقد قيل إنه قدم له كل شيء قبل أن يسمعه.
اقرأ أيضًا: انطلاق مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء في دورته الـ 31
من أين بدأت شهرة زرياب الموسيقى؟
زرياب لقب وقتها بالقرطبي، وبدأت شهرته فقام بتأسيس دار المدنيات للغناء وضم أولاده الثمانية وابنتيه، وضم عددًا آخر من المطربين واعتبرت أول مدرسة لتعليم الموسيقى وقواعدها وأساليبها، وتوسع زرياب في الموسيقى والغناء فنقل كل مظاهر الغناء والموسيقى إلى الأندلس ولم يقتصر على الموسيقى فقط بل نقل أحسن الأقمشة من منازل الخلفاء وأزهى الألوان إليهم، كان شديد الثقافة والعلم والأدب وهو أول من لفت أنظار السيدات إلى المنديل الذي تختص به المرأة وقال إنه لا بد أن يكون مختلف الألوان وأن يكون معطرًا.

من أين بدأت شهرة زرياب الموسيقى؟
تأثيره في شتى المجالات:
فكر زرياب الموسيقى في شتى مجالات الحياة الاجتماعية، فقد قام بوضع تعديل على السلوكيات الأوروبية، فأدخل زرياب لأوروبا وجبات الطعام من أطباق تقدم على ثلاث مراحل الأولى للشربة والثانية لحم أو سمك والثالثة فاكهة أو مكسرات؛ لامتلاكه ذوقًا رفيعًا في التنسيق وتنظيم الموائد واتخاذ الأكواب الرقيقة بدل المعدن وصنع الأواني من ذهب والفضة.

تأثيره في شتى المجالات
حتى الأطعمة لم تسلم من ذوقه الرفيع واختراعاته في بعض الأكلات، فقد صنع معجنات محشوة باللوز، وهو أول من أدخل للمطعم الأسباني طعامًا يسمى الهليون وهناك نوع يسمى باسمه وهو الزلابية وهو تحريف زرابيه، كما اشتهر بعمل الولائم الضخمة وترتيبها والزي الباهر الألوان، وأدخل أيضًا الشطرنج للأندلس ثم أوروبا وسميت الشاه مات، وظلت بالعربية مستخدمة في أوروبا والعالم shahmat.
زرياب الموسيقى عبر العصور:
زرياب الذي وصفه الأندلسيون بأنه نقل الحياة الحضارية لهم، إنه الرجل الأنيق الذي اختار الملابس التي يجب أن ترتدي في الصيف تكون باللون الأبيض والملابس الشتوية بالألوان الداكنة، ليس ذلك فقط إنما كان عالمًا بالنجوم وتقويم البلدان ومناخهم إنه الرجل الأسطوري زرياب قيثارة الحضارة مطرب الملوك وصانع الوتر الخامس.

زرياب الموسيقى عبر العصور
توفي زرياب الموسيقى ودفن بالأندلس وإلى الآن تحتفل به دولة الأندلس وتقيم له بوسط المدينة نصبًا تذكاريًا يحمل اسمه عبارة عن عود موسيقى يعلوه طائر، وهكذا نلتقي دائمًا برجال صنعوا التاريخ، في آدم فقط ستجد تاريخ الفن، وإليكم فنان آخر من زمن الفن الجميل في آدم تجدون تراث التاريخ وقيمته فتابعونا.
اقرأ أيضًا: ذكرى وفاة ليلى مراد.. نظرة على حياة قيثارة الفن الراحلة
كتبت: غادة إبراهيم.