في شهر رمضان، تتجلى أمامنا ليالي الخيم الرمضانية كأحد أبرز رموز التراث والثقافة في مصر، فهل سبق لك أن تساءلت عن أصولها وتطورها عبر العصور؟ منذ الحقبة الفاطمية في القاهرة القديمة، انطلقت تلك الخيام كبيوت الشعر المضيئة، حاملة معها تقاليد الفن والدين والاحتفاء بروحانية شهر الصوم، ومع مرور الزمن، شهدت هذه الخيام تحولات لتصبح مركزًا للترفيه والثقافة والتواصل الاجتماعي، تعال معنا عزيزي القارئ في هذه الرحلة المثيرة لاستكشاف جذور وتطورات الخيم الرمضانية، وكيف أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تراثنا الغني وتجربتنا الثقافية في هذا الشهر الفضيل.
تاريخ الخيم الرمضانية:
في العصر الفاطمي في القرن العاشر، ظهرت الخيم الرمضانية في القاهرة المعروفة باسم (بيوت الشعر)، حيث كانت تُقام مسابقات وحلقات ذكر وتواشيح دينية، إلى جانب تقديم مجموعة من الأكلات الشعبية المصرية المرتبطة بشهر رمضان الكريم، فهي تعتبر مظهرًا من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم في مصر، وليس له نظير في أي دولة أخرى، حيث يقوم المنشدون فيها بإحياء ليالي الشهر الكريم بالذكر والابتهالات والأناشيد الدينية وغيرها، وقد كان المسلمون بعد الانتهاء من صلوات التراويح يقضون جزءًا كبيرًا من الليل في تلك الخيام إلى أن يأتي موعد السحور، ثم يذهبون لصلاة الفجر.
وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين، ظهر نوع من الخيام الرمضانية الترفيهية، يتم فيها تقديم الفولكلور المصري القديم المحبب للمصريين لمطربين كبار مثل: محمد عبد المطلب أو شفيق جلال وغيرهم، في جو روحاني محبب للمصريين وخالٍ من الإسفاف أو الخروج عن المألوف تعظيمًا لحرمة الشهر الكريم، وقد شارك في هذه الخيم الكثير من مشاهير المطربين مثل: أم كلثوم، ومنيرة المهدية، والشيخ علي محمود.
اقرأ أيضًا: بداية موائد الرحمن.. لمسة إنسانية تتجدد عبر العصور
وكانت ليالي رمضان في هذا الوقت مقسمة إلى 3 أقسام:
- الأيام العشرة الأوائل من رمضان، كانت مخصصة للشيوخ المشهورين في ذلك الوقت مثل الشيخ صديق المنشاوي.
- الأيام العشرة الثانية، كانت مخصصة للمغنيين الشعبيين المعروفين بغناء الفولكلور والمأثورات الغنائية.
- العشرة الأواخر من رمضان، كانت مخصصة لكبار الفنانين المشاهير في ذلك الوقت مثل: منيرة المهدية وأم كلثوم.
تطور الخيم الرمضانية:
استمرت الخيم الرمضانية بعد ذلك على هذا المنوال، حتى بدأت في التطور عن طريق إدخال ندوات أدبية بها، وقد شاع وقتها وجود أحد رموز الفكر والثقافة، أو أحد الشعراء الكبار في تلك الخيم، أما الآن فما زالت توجد بعض الخيم الرمضانية التي تسير على تلك الخطى القديمة، حيث تقدم التواشيح الدينية وعروض التنورة الجذابة.
ومن أشهر الخيام الرمضانية تلك التي كانت تُقام في منطقة الحسين بمحافظة القاهرة، كما كانت توجد الخيام الرمضانية في مناطق أخرى من محافظات الجمهورية، وكان يغلب عليها طابع الإنشاد الديني والمواويل مع فقرات للإنشاد الصوفي والتنورة وغيرها.
شكل الخيام الرمضانية:
طراز الخيام الرمضانية وشكلها بالشكل الذي نراه عليها من ألوان مبهجة باللونين اللون الأحمر مع الأبيض في تعشيقات بديعة، إنما هي من ابتكارات الفنان المصري المبدع، التي اشتهر بها العاملون المحترفون في منطقة الخيامية في حي الغورية بالقاهرة، وتتميز هذه الخيام بعناصر الفن الإسلامي، المستخدم فيه الزخارف النباتية والأشكال الهندسية أيضًا ومعظمها صناعة يدوية أو باستخدام أدوات الحياكة البدائية، وذلك بسبب سماكة الأقمشة وثقلها، التي قد لا تتناسب مع الماكينات التقليدية لحياكة الملابس.
وختامًا عزيزي القارئ، تناولنا تاريخ الخيام الرمضانية وتطورها عبر الزمن، كواحدة من أهم مظاهر التراث المصرية في شهر رمضان المبارك، التي اعتادها المصريون ليضيفوا الروحانيات الإيمانية المناسبة للشهر الكريم.
اقرأ أيضًا: التراث المضيء.. قصة أصل فانوس رمضان من العصر الفاطمي
كتبت: سحر علي.