يحتفل المصريون كل عام بعيد شم النسيم أو عيد الربيع، الذي يعتبر واحدًا من أهم أعيادهم التاريخية، وهذا اليوم يتخذ طابعًا مميزًا أقرب للمهرجان الشعبي المتنوع، حيث يشترك المصريون بمختلف أديانهم وطبقاتهم الاجتماعية في الاحتفال بطقوس خاصة بهذا اليوم أو العيد، تشتمل على تلوين البيض، وتناول الأسماك المملحة في تجمعات عائلية اجتماعية مرحة ومبهجة، يتم فيها عادة الخروج إلى المتنزهات وعلى ضفاف النيل، أو تجمع للأسرة في المنزل.
تاريخ عيد شم النسيم:
تمتد جذور الاحتفال بعيد شم النسيم إلى جذور فرعونية، حيث ارتبط الاحتفال ببعث الحياة، والاستمتاع بجمال الطبيعة في فصل الربيع، ويعود تاريخ الاحتفال بشم النسيم إلى ما قبل 5 آلاف عامًا، وتحديدًا في عهد الأسرة الفرعونية الثالثة، ويعتبر عيد شم النسيم أقدم عيد غير ديني في العالم، ويقول بعض المؤرخين أن شم النسيم ربما يعود لأقدم من ذلك، حيث كان يتم الاحتفال به في مدينة هليوبوليس الفرعونية.
اقرأ أيضًا: شم النسيم في زمن الكورونا
عيد شم النسيم عند قدماء المصريين:
في مقتطف يطلق عليه (أناشيد الضارب على الجنك) منقولًا عن الترجمة الفرنسية التي قدمتها (كلير لالويت) وهي عالمة وأستاذة للأدب المصري القديم بجامعة باريس، جاء فيه: “اقض يومًا سعيدًا، وضع البخور والزيت الفاخر المعطر من أجل أنفك، وضع أكاليل اللوتس والزهور على صدرك، واجعل زوجتك الرقيقة في قلبك جالسة إلى جوارك، ولتكن الأغاني والرقص أمامك، واترك الهموم خلفك، ولا تتذكر سوى الفرح، إلى أن يأتي يوم الرسو في الأرض التي تحب الصمت”، بهذه العبارات السابقة، كان وصف يوم شم النسيم عند القدماء المصريين.
أصل كلمة شم النسيم:
كلمة شم النسيم جاءت من كلمة (شمو) في اللغة الهيروغليفية القديمة وربطها القدماء المصريون بتاريخ خلق الأرض، حيث كانوا يعتقدون أن شم النسيم يعبر عن أيام الزمان وبداية الخلق، وبمرور الوقت تم تحوير كلمة شمو إلى كلمة شم ثم شم النسيم، حيث ارتبط فصل الربيع باعتدال الجو وتفتح الزهور في ذلك الوقت.
اقرأ أيضًا: مصمم الأزياء السوري مهند بيش يقدم لكِ نصائح لموضة شم النسيم
مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم قديمًا:
كان الاحتفال بعيد شم النسيم قديمًا يبدأ مع الاعتدال الربيعي في اليوم الحادي والعشرين من مارس مع بداية فصل الربيع، وكان المصريون القدماء قد اعتادوا أن يجتمعوا كل عام في هذا اليوم عند الهرم الأكبر ليشاهدوا غروب الشمس التي كانت تتربع على قمة الهرم في منظر مهيب وبديع يتكرر إلى يومنا هذا، وذلك بسبب تعامد الشمس على خط الاستواء، حيث تميل عند غروبها تدريجيًا حتى تتربع قبل الغروب بدقائق عند قمة الهرم الأكبر، ثم بعد ذلك يبدأ شعاع الشمس في اختراق الهرم تدريجيًا حتى يبدو أنه يقسمه لنصفين متساويين.
ويستمر هذا الانقسام حتى غروب الشمس حيث تسقط أشعة الشمس على الجهة الجنوبية للهرم، فيبدو الهرم وكأنه هرمان متطابقان، ولا تزال هذه الظاهرة تحدث حتى يومنا هذا مع كل اعتدال ربيعي، فيبدو الهرم وكأنه ينشطر قبل غروبها في الساعة السادسة مساء اليوم الحادي والعشرين من مارس، الجدير بالذكر أنه في عام 1920م توصل العالم الفلكي والرياضي البريطاني (بركتور) إلى رصد هذه الظاهرة، حيث تمكن من تصوير لحظة انشطار واجهة الهرم، كما استطاع العالم الفرنسي (أندريه بوشان) في عام 1934م تسجيل هذه الظاهرة المثيرة للاهتمام والدهشة باستخدام الأشعة تحت الحمراء.
اقرأ أيضًا: حلويات العيد في سوريا.. 3 أنواع لا تفوت تجربتهم
أكلات عيد شم النسيم:
ارتبط عيد شم النسيم منذ عهد الفراعنة ببعض الأطعمة، التي كان لها مدلول خاص عند قدماء المصريين، حيث كان كل نوع من الطعام يرمز لهدف معين كالتالي:
الفسيخ:
يعتبر الفسيخ من أشهر الأكلات المصرية المرتبطة بعيد شم النسيم والتي تعود لعهد الفراعنة، وهو عبارة عن نوع من الأسماك يسمى السمك البوري الذي يتم تمليحه وحفظه بعناية فائقة، وانتشر استخدامه في عهد الأسرة الخامسة كطريقة من طرق التقديس لنهر النيل وعطاياه، أما في العصر الحديث أصبح الفسيخ يؤكل مع سمك الرنجة المدخن كطقس ورمز لهذا العيد ولا يُمكن الاستغناء عنه.
البصل الأخضر:
فوائد البصل الأخضر معروفة للجسم، حيث يزيد من قدرته على تقوية جهاز المناعة، ولكنه عند قدماء المصريين يرمز للتمسك بالحياة وعدم الاستسلام للموت وهزم الأمراض، وكانوا يأكلونه ويعلقونه في الشرفات وحول رقابهم وتحت وسائدهم.
الخس والحمص:
كان الخس أحد النباتات المقدسة عند المصريين القدماء ويرمز لإله الخصوبة، حيث كانوا يعتقدون أنه يزيد القدرة الجنسية والعجيب أن هذا ما تم إثباته بالفعل حديثًا، خاصة زيت الخس الذي يحتوي بكثرة على فيتامين هـ، وهناك أيضًا نبات الحمص الأخضر أو ما يعرف باسم الملانة، فقد كان رمزًا ودليلًا على قدوم فصل الربيع، حيث كان امتلاء الثمرة يعني أن الربيع قد حل.
البيض الملون:
استخدام البيض عند قدماء المصريين كان يرمز لخلق الحياة وانطلاقها من بين الجماد، فكانوا يقومون ينقش أمنياتهم ودعواتهم عليه ثم يضعونه في اطباق أو سلال مصنوعة من السعف في الشرفات، ليتم مباركته بنور الإله (الشمس) عند شروقها ويحقق لهم أمنياتهم وكل ما يرغبون فيه، أما اليوم فقد تطور نقش الأمنيات ليصبح مجرد رسوم وزخارف بألوان زاهية مبهجة.
تلوين البيض:
تطورت النقوش القديمة على البيض فيما بعد لتصبح نوعًا من الزخرفة الجميلة والتلوين البديع للبيض، حيث أصبح البيض الملون رمزًا ومظهرًا من مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم وأعياد الفصح والربيع في العالم كله، حتى أصبح الغربيون يطلقون على تسمية البيض الملون (بيضة الشرق)، وبدأ البيض في الظهور على مائدة أعياد الربيع (شم النسيم) مع العهد الفرعوني ويرمز إلى خلق الحياة، كما ورد في كتاب الموتى وأناشيد الملك (أخناتون الفرعوني)، وهكذا بدأ الاحتفال بأكل البيض كأحد الشعائر المقدسة التي ترمز لعيد الخلق، أو عيد شم النسيم عند الفراعنة.
أما فكرة تلوين البيض وزخرفته، فقد ارتبطت بعقيدة قديمة أيضًا، حيث كان الفراعنة ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات والرغبات، ويجمعونه أو يضعونه في سلال معلقة في أشجار الحدائق، وذلك حتى تتلقى بركات نور الإله عند شروقه بحسب معتقداتهم، فيحقق دعاءهم وكانوا يبدأون العيد بتبادل التحية (بدقة البيض)، وهي عادات ما زال أكثرها متوارثًا ونقوم به حتى الآن.
وفي الختام عزيزي القارئ، تناولنا معًا أقدم الأعياد المصرية غير الدينية التي بدأت منذ عصر المصريين القدماء وحتى يومنا هذا، وهو عبد الربيع أو عيد شم النسيم، ومظاهر الاحتفال به قديمًا التي ما زال أكثرها مستمرًا حتى يومنا هذا.
اقرأ أيضًا: أسرار الفسيخ.. الأكلة المحبوبة المكروهة في آن واحد
كتبت: سحر علي.