إحرام الكعبة

هل سبق لك أن شهدت اللحظة الساحرة التي تتحول فيها الكعبة المشرفة إلى جوهرة متلألئة قبل عيد الأضحى؟ نحن هنا لنتعرف على إحرام الكعبة، ذلك التقليد العريق الذي يعود إلى صدر الإسلام، في منتصف شهر ذي القعدة يرفع الجزء الأسفل من كسوة الكعبة لحمايتها من التمزق بسبب تدافع الطائفين، يستمر هذا الإجراء حتى صباح التاسع من ذي الحجة، عندما تتزين الكعبة بكسوتها الجديدة، مستعدة لاستقبال حجاج بيت الله الحرام في أول أيام عيد الأضحى، دعنا ننطلق في رحلة استكشاف هذا التقليد ونغص في تفاصيله التي تجعل من إحرام الكعبة حدثًا فريدًا ومهيبًا.

إحرام الكعبة:

إحرام الكعبة، هذه العادة القديمة المعروفة، يتم خلالها تشمير أستارها من الجزء المسمى الشاذروان وهي القاعدة الرخامية أسفل الكعبة، إلى ارتفاع حوالي ثلاثة أمتار تقريبًا من جميع الجهات الأربع للكعبة المشرفة، حيث يظهر بياض بطانتها الداخلية، وتتم تغطية الجزء الذي تم رفعه من الكسوة بإزار من القماش القطني الأبيض، يبلغ عرضه مترين تقريبًا من كل الجهات الأربعة، وهذه عادة سنوية تحدث في مثل هذا الوقت من كل عام.

إحرام الكعبة
إحرام الكعبة

اقرأ أيضًا: بيت الله الحرام.. من بناء الكعبة إلى أحداث تاريخية

أهمية كسوة الكعبة:

تعتبر كسوة الكعبة المشرفة مظهرًا من أهم مظاهر التبجيل والتشريف والتعظيم لبيت الله الحرام، وهي علامة مميزة في تاريخ المسلمين، حيث ارتبط المسلمون بها وبصناعتها منذ بداية الإسلام وحتى يومنا هذا، وكان يتسابق على صنعها أكبر فناني العالم الإسلامي لينالوا هذا الشرف العظيم، وهي عبارة عن كساء من الحرير الأسود الفاخر منقوش عليه بعض آيات من القرآن الكريم من ماء الذهب، تغطى الكعبة به طوال العام، ويتم تغييرها مرة واحدة سنويًا في صباح يوم عرفة.

الحكمة من كسوة الكعبة:

تعد شعيرة إسلامية جليلة، تمثل اتباعًا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واستمرارًا لما قام به الصحابة الكرام بعده، فقد ثبت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري وفي حجة الوداع، قام بكساء الكعبة بالثياب اليمانية، وكانت تكلفة هذه الكسوة تمول من بيت مال المسلمين.

من أول من كسا الكعبة المشرفة؟

اختلفت الروايات في تحديد أول من قام بكساء الكعبة المشرفة، فقال بعض العلماء إن أول من كساها هو سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، وقيل أيضًا أن عدنان هو أول من كساها أو أنها كسيت في عهده، وبالرغم من هذا الاختلاف، إلا أن كسوتها مُثبتة في كتب التاريخ الإسلامي، واستمر هذا العمل الشريف على مر العصور بين المسلمين، على النحو الآتي:

  • في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعد فتح مكة وزيادة قوة المسلمين، اهتم بالكعبة المشرفة وخصص لها نفقة من بيت مال المسلمين، وكانت كسوتها من الثياب اليمنية، وتم ذلك في اليوم التاسع من ذي الحجة خلال حجة الوداع.
  • في عهد الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان -رضي الله عنهم- كانت تكسى الكعبة سنويًا بنسيج قباطي مصري يُصنع في مصر.
  • في العهد الأموي وفي خلافة معاوية -رضي الله عنه- كانت مرتين في السنة، الأولى في نهاية شهر رمضان وكانت تصنع من النسيج القباطي، والمرة الثانية في اليوم العاشر من شهر محرم وكانت تصنع من الديباج، وجدران الكعبة تعطر وتطيب بأطيب الروائح.
من أول من كسا الكعبة المشرفة؟
من أول من كسا الكعبة المشرفة؟
  • في العهد العباسي، تطورت الصناعة وبدأ استخدام منسوجات وأقمشة عراقية الصنع في دور الطراز العامة والخاصة في مدينة دار السلام.
  • في عهد الخليفة المهدي، كانت الكسوة تنقل من بغداد إلى مكة المكرمة، وأمر برفع كل ما على الكعبة من كسوات قديمة؛ مخافة انهيار جدرانها من ثقل الكسوات التي عليها، واقتصر على الجديدة.
  • في عهد مماليك مصر، اهتموا كثيرًا بالكسوة لدرجة تخصيصهم دارًا لصناعتها عرفت باسم دار الكسوة، ومن أشهر هؤلاء المماليك الظاهر بيبرس.
  • في عهد العثمانيين، كان على مسئوليتهم إرسال الكسوة إلى مكة، حتى أصبح إرسالها فرضًا على كل خليفة يتولى منصب الخلافة.

اقرأ أيضًا: شهر ذي الحجة.. لماذا هو أهم شهور التقويم الهجري؟

بداية الكسوة السعودية:

في عام 1927م، بدأ دور السعودية في كسوة الكعبة، وتم بناء أول مصنع سعودي لها بعد قيام الملك عبد العزيز آل سعود بتكليف ابنه الأمير فيصل بإنشائه، وما زالت صناعة الكسوة فيه إلى الآن، ويشرف على صناعتها عدد من أمهر وأشهر الخبراء والفنيين، وتعتبر الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي في السعودية هي الجهة المسئولة حاليًا عن صناعتها وتغييرها.

خطوات كسوة الكعبة:

في كل موسم حج، يقوم مجمع الملك عبد العزيز بالإشراف على كل ما يتعلق بالكسوة، وكالعادة في كل عام في أول يوم من شهر ذي الحجة يقوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان آل سعود ملك المملكة العربية السعودية أو من ينوب عنه بتسليم الكسوة الجديدة إلى سدنة الكعبة المشرفة، ويتم تسليم قطعة من حزام الكعبة ومفاتيحها، وفي صباح اليوم التاسع من ذي الحجة، يُبدل ثوب الكعبة بالكسوة الجديدة، مع رفع ثلاثة أمتار من الثوب ووضع قماش أبيض على الأجزاء المرفوعة وذلك للمحافظة عليه، وتوضع الكسوة الجديدة على جدران الكعبة وتسقط القديمة، ويتم عرض هذه المراسم في بث إعلامي مباشر ليشهدها كل المسلمين في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضًا: الأشهر الحرم.. لماذا كانت مقدسة قبل الإسلام وبعده؟

كم تبلغ تكلفة كسوة الكعبة المشرفة؟

تمر الكسوة بمراسم متعارف عليها سنويًا، يشرف عليها أكثر من مئتي خبير ذوي كفاءات عالية، يتم توظيفهم عن طريق الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام، وهي مصنوعة من الحرير المبطن بالقطن المزين بنقوش من الذهب، ويتم جلب خيوط الحرير من إيطاليا لمرونتها ومتانتها، وتعتبر الأغلى في تاريخ العالم، حيث يبلغ سعرها حوالي عشرين مليون ريال سعودي، أما كسوة الكعبة القديمة التي تم استبدالها، فيتم تقديمها كهدايا لجهات معينة تحددها السلطة، أو يتم إعطاؤها للمتاحف مع المحافظة عليها.

كم تبلغ تكلفة كسوة الكعبة المشرفة؟
كم تبلغ تكلفة كسوة الكعبة المشرفة؟

وختامًا عزيزي القارئ، تناولنا ما يسمى بإحرام الكعبة، مع الكثير من المعلومات حول كسوة الكعبة قديمًا وحديثًا، وقيمتها الدينية والمادية، وكيف إنها مظهر هام من مظاهر تبجيل وتعظيم الكعبة وبيت الله الحرام.

اقرأ أيضًا: الشهور الهجرية.. بين الجاهلية والإسلام

كتبت: سحر علي.