ونحن على أعتاب عيد الأضحى المبارك، المشهور بأطباقه المتميزة، لا تحلو صباحات العيد إلا بطبق الفتة المعروف بنكهته وطعمه المميز، بإضافة الخل والثوم والكزبرة والشطة، ثم تلك الدقة المسبكة بالثوم والصلصة، لتعطي العيد مذاقًا مختلفًا، حيث تجمع العائلة حول هذا الطبق الذي يحمل فرحة العيد للكبار والصغار.
الفتة مظهر من مظاهر العيد:
في أول أيام عيد الأضحى المبارك، نكاد لا نجد منزلًا ولا بيتًا بعالمنا العربي إلا وتجد طبق الفتة جالسًا على عرش مائدة إفطاره عقب ذبح الأضحية، صاحب الوصاية والكلمة العليا على باقي أطباق العيد المعروفة، حيث تتسابق ربات البيوت ويتفنن في إظهار مواهبهن في إعداد هذا الطقس الأيقوني اللذيذ بمكوناته المتعددة، وتوابله وبهاراته وتحابيشه المميزة، فلطالما ارتبط هذا الطبق في عالمنا العربي والإسلامي بالمواسم والأعياد، فأصبح عادة غذائية احتفالية ذات طقوس خاصة.
اقرأ أيضًا: أسرار الطهي.. هل البشاميل أصله مصري أم فرنسي؟
الفتة أكلة مصرية تاريخية مقدسة بامتياز:
يعتقد الكثيرون أن الفتة أكلة عربية، نشأت في البداية في شبه الجزيرة العربية، وهو ما ظهر في كثير من الأفلام السينمائية، إلا أن الحقيقة قد تصدمك، فقد ثبت أن هذا الطبق ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ويعود لآلاف السنين، حيث صرح (نبيل عبد المجيد) الباحث بالتراث المصري إنها اختراع مصري قديم بامتياز، وهناك العديد من الشواهد والأدلة على ذلك من النصوص المصرية القديمة والرسوم على جدران المعابد الفرعونية، فقد قام المصريون القدماء منذ 7 آلاف عامًا بصنع الخبز من القمح وكان للخبز قدسية كبيرة عندهم.
وقد عرف المصري القديم ما يقرب من 100 نوع من الخبز، وكانوا يقدمونه كنوع من القرابين بالمعابد في ذلك الوقت، وكانت صناعة الخبز طبقية بعض الشيء ومن ثلاثة أنواع، فقد كان هناك الخبز من النوع الأول فاخر ويصنع من دقيق القمح للأغنياء، والنوع الثاني أقل جودة ويصنع من دقيق الشعير للطبقة المتوسطة، أما النوع الثالث فهو الخبز الأسمر من دقيق الحبوب للفقراء.
ونظرًا لقدسية الخبز في ذلك الوقت، فقد كان ممنوعًا ومحظورًا التخلص منه بإلقائه بالقمامة أو اعتباره من النفايات، فاخترع المصري القديم عملية تحميص الخبز لكي لا يتعفن وصنع منه هذه الوجبة، فكان يقوم بوضع فتات الخبز المقطع على مرق اللحوم أو اللبن، ومن هنا تم تسميتها بالفتة؛ لأنها كانت تصنع من فتات الخبز المحمص.
وبعد ذلك وضع المصريون البرغل الخشن وفوقه قطع اللحم، لإضافة قيمة غذائية للطبق، وقد تم اكتشاف بعض النقوش بمعبد كوم أمبو تصف طريقة عملها، حيث أظهرت ذبح كبش وحشوه بالفريك والبرغل والبصل والباذنجان، ثم وضعه فوق فتات الخبز، وإضافة المرق والخل والبصل، وكانت هذه الوجبة الثمينة هي وجبة الأعياد لدى الملوك والكهنة والبعض من عامة الشعب المصري، وبمرور الزمن تم استبدال البرغل بالأرز لتصبح بشكلها المعتاد.
اقرأ أيضًا: كحك العيد.. أكلة لها تاريخ في 6 حضارات مختلفة
الفتة أحب الطعام للرسول صلى الله عليه وسلم:
يؤكد الباحث نفسه أنه مع مرور السنوات واختلاط المصريين بغيرهم من الشعوب الأخرى، سواء عن طريق الرحلات التجارية، وغيرها من التغيرات السياسية بسبب الاحتلال والاستعمار الغربي، انتشرت الفتة كثيرًا وارتبطت بالماضي بحكاية سيدنا إبراهيم وولده سيدنا إسماعيل -عليهما السلام-، وقصة الفداء العظيم بشبه الجزيرة العربية، وتحولت للوجبة المميزة بعيد الأضحى المبارك، ومن المعروف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحب الثريد وهي الفتة، حسب قول الدكتور محمد وهدان الأستاذ بجامعة الأزهر، الذي أكد إن أحب الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الثريد وهي الخبز بالمرق واللحم، والأطيبان وهما التمر واللبن.
مسميات الفتة:
بعدما انتشرت الفتة بكل مكان بالعالم العربي، اختلف اسمها من منطقة لآخري، ولكنها تعرف بنفس اسمها في مصر وفلسطين وسوريا، أما في مناطق أخرى فتسمى التسقية، وفي تونس تسمى اللبلابي، أما في الخليج فتسمى الفتات، وفي ليبيا تسمى المثرود، ولقد أضافت كل دولة إلى هذا الطبق من ثقافتها وبهاراتها وتحابيشها.
ولكن هناك بعض الدول تستخدم الطريقة المصرية الأصلية بصناعتها بالخل والثوم، في حين تقوم دول أخرى بعملها بالصلصة، وفي سوريا يقومون بإضافة قطع الدجاج أو اللحم ثم يوضع عليها لبن الزبادي مع الطحينة والثوم، وتزين بالحمص والزبيب والمكسرات.
اقرأ أيضًا: سر الكنافة.. تاريخ وأصول الحلوى الشرقية في كل قطعة
أنواع الفتة بالعالم العربي:
الفتة المصرية:
تعتمد على الخبز البلدي المحمص، والصلصة عبارة عن ثوم محمر بالسمن، مضاف إليه الخل والبهارات، ثم تضاف الصلصة بالتبادل مع مرق اللحم على الخبز المقطع، ثم يضاف الأرز وقطع اللحم المقلي.
فتة الحمص:
هي طريقة بلاد الشام، حيث يسلق الحمص ويتم تحميص قطع من الخبز الشامي أو اللبناني في الفرن، ثم يضاف زبادي وطحينة وفصوص من الثوم المهروس، مع إضافة البهارات من الفلفل والكمون حسب الرغبة وخلطهم جميعًا، ثم إضافة شرائح الدجاج فوقهم.
فتة الباذنجان:
تتكون من مكونات بسيطة وصحية، وهي باذنجان رومي، ورغيفين خبز شامي محمص، وعصير ليمون ولبن رائب أو زبادي، وطحينة وحمص شام مطحون وزيت زيتون، والثوم مع بعض البهارات من الملح والكمون والفلفل الأحمر، مع البقدونس الاخضر المفروم، وتعتبر من أبسط أنواع الفتة فى العالم العربي.
الفتة السورية:
تعتمد على الخبز الشامي المحمص والمقطع لمكعبات، وأرز بسمتي وقطع من صدور الدجاج، مع إضافة صوص الزبادي بالطحينة والتوابل المختلفة التي تعطيها نكهة مميزة.
فتة الكسكسي:
هي من الأطباق العربية الشهيرة فى بلاد المغرب، وتعتمد فى تحضيرها على مكونات بسيطة مثل الكسكسي والكوسة وقطع خبز ولحم موزة الغنم، وبعض البهارات المغربية المميزة وصلصة الهريسة الحارة.
وختامًا عزيزي القارئ، كنا في جولة سريعة وشهية مع الفتة، هذا الطبق الأيقوني الذي لا تخلو منه أي مائدة عربية وخاصة المصرية في صباح يوم عيد الأضحى المبارك، وعرفنا كيف أن الفتة طبق مصري قديم بامتياز ويعود أصوله للفراعنة القدماء اصحاب التاريخ وصانعيه.
اقرأ أيضًا: لذة القطايف.. تفاصيل مثيرة عن أصولها وتطورها الشهي
كتبت: سحر علي.