تكثر الأنهار في قارة أوروبا وحولها، ولكن أكثرها شهرة وأهمية نهر السين، الذي يعتبر قلب باريس النابض، حيث يقوم بتغذية المدينة والمناطق التي حولها، وفي هذه السطور القليلة القادمة سنبحر سويًا عزيزي القارئ في رحلة ممتعة عبر هذا النهر لنكتشف بعضًا من تاريخه وأسراره.
ماذا تعرف عن نهر السين؟
يعتبر نهر السين أحد أشهر أنهار العالم، شغل النهر (Seine River) خيال الشعوب وسحرهم على مر التاريخ، هذا النهر الذي يمر عبر مدينة باريس، ويقسمها إلى ضفتين، ضفة يمنى (Rive Gauche) وضفة يسرى (Rive Droite)، ظل هذا النهر يمثل تاريخًا طويلًا ومصدرًا لإمداد الدول المار بها.
كما عمل كممر تجاري هام منذ القرن الثالث قبل الميلاد، بعد استقرار قبائل من صيادي السمك سميت بالباريسي (Parisii) على ضفافه، وتحولت هذه المنطقة بعد ذلك إلى المدينة الضخمة التي نعرفها اليوم التي سميت باسم هذه القبائل مدينة باريس ونهر السين، منذ ذلك الوقت وحتى الآن هو القلب النابض الذي يغذي سكان مدينة باريس والمناطق حولها، وفي عام 1991م، حصل النهر على اعتراف من منظمة اليونسكو (UNESCO) على قائمة التراث العالمي، مما يؤكد الاعتراف به وحمايته كموقع تراثي وطبيعي هام.
اقرأ أيضًا: في أحضان باريس.. اكتشف سحر المدينة التي لا تنام
نهر السين في نقاط:
يمكن معرفة بعض المعلومات عن النهر في النقاط التالية:
- يعود أصل اسم النهر إلى الكلمة اللاتينية سيكوانا (Sequana) التي أطلقها السكان السلتيون الأوائل، ولكن ليس هناك مصدر تاريخي مؤكد هذه التسمية.
- يصل النهر بين 37 جسرًا عبر ضفتي النهر اليمنى واليسرى في باريس.
- يعتبر الميناء المسمى لوهافر (Le Havre) الواقع عند مصب النهر، أحد أكبر موانئ فرنسا العالمية.
- يمر نهر السين عبر أكثر مناطق فرنسا غنًا وأهميةً وهي منطقة (Ile-de-France).
- يبلغ طول النهر من منبعه وحتى مصبه حوالي 776 كيلومترًا، ما يعادل 482 ميلًا.
نهر السين جغرافيًا:
ينبع النهر من جبل تاسيلوت (Mont Tasselot) في منطقة تسمى برغاندي على ارتفاع 471 مترًا عن سطح البحر، ويبدأ في المرور بعدة مناطق مثل: شاتيلون (Châtillon) ثم شامبان (Champagne) ومن ثم روميلي (Romilly)، حيث رافد من روافده يسمى نهر أوب (Aube) عند مونتيرو (Montereau) ثم يرفد السين نهر يون (Yonne) من ناحية الضفة اليسرى، بعد ذلك يعبر النهر خندقي مولن (Melun)، وكورباي (Corbeil) متجهًا نحو باريس، حيث يوجد رافد آخر من روافده عند مدخلها، وهو نهر مارن (Marne) من ناحية اليمين، ليصل في النهاية إلى مصبه في القناة الإنجليزية، حيث يتسع مجراه لستة عشر ميلًا حتى يصب في لوهافر.
معدل الهطول على حوض النهر معتدل، يتوزع بشكل منتظم على طول العام، إلا أن الرافد الأكثر تأثيرًا على معدل جريان النهر هو اليون، ويظل جريان النهر منتظمًا طوال العام تقريبًا والفيضانات نادرة الحدوث بشكل كبير، وقد تحدث فقط في المواسم التي تكون فيها معدلات هطول المطر غير المتوقعة، وكذلك بالنسبة لحالات الجفاف حيث ينخفض وقتها مستوى ارتفاع سطح النهر.
اقرأ أيضًا: 5 أماكن سياحية في تايلاند تأسر القلوب وتدهش العقول
نهر السين تاريخيًا:
- تم العثور في منطقة حوض النهر على أدوات حجرية قديمة يعود تاريخها إلى حوالي 500000 سنة مضت في منطقة شيليه (Chelles) الواقعة حول حوض النهر؛ مما يدل على أن تاريخ هذا المكان ربما يعود إلى زمن بعيد قد يسبق حتى التاريخ المسجل، وقد ثبت أنه في العام 1000 قبل الميلاد استقرت قبائل الغال في هذه المنطقة وما حولها، وكان من بينهم قبيلة باريسي كما ذكرنا.
- في عهد الإمبراطورية الرومانية، قام يوليوس قيصر (Julius Caesar) بهزيمة الغاليين وطردهم، وضم النهر وحوضه إلى الإمبراطورية، وأطلق عليها اسم سيكوانا (Sequana)، حيث ازدهرت التجارة على طول مجرى النهر في تلك الفترة، حتى تمكن ملك الفرنجة كلوفيس الأول (ClovisI 1) قائد إحدى القبائل الجرمانية، من هزيمتهم واستطاع السيطرة على مدينة باريس.
- بقيت باريس منذ ذلك الوقت تحت سيطرة الفرنسيين، حيث توافد عليها عددًا من الحكام، أبرزهم شارلمان (Charlemagne) الذي كانت المنطقة في عهده جزءًا من مملكة مهيبة تمتد حدودها إلى كافة جهات أوروبا.
- خلال العصور الوسطى استطاع الإنجليز السيطرة على النورماندي، إلا أنهم فشلوا في احتلال باريس، مع اعتلاء بطلة العرش الفرنسي جان دارك (Joan of Arc) التي تمكنت من هزيمتهم، ولكن تمكن الإنجليز من القبض عليها بعد ذلك في عام 1430م، وتم إعدامها حرقًا في عام 1431م ورموا رفات رمادها في النهر.
- في عام 1821م، أعلن نابليون بونابرت (Napoleon Bonaparte) ضرورة رجوع ملكية منبع النهر لباريس، وتمنى أن يُدفن رفاته على ضفاف السين، إلا أن الملك لويس الثامن عشر (Louis XVIII) لم يمنحه هذه الأمنية؛ خوفًا من الشحن السياسي الذي قد يحدث بسبب ذلك.
اقرأ أيضًا: أماكن سياحية في الصعيد أبرزهم في 5 محافظات
نهر السين حديثًا:
ما زال النهر جزءًا لا يتجزأ من الهوية الباريسية، تصطف على جانبيه محلات بيع الكتب والمقاهي، لدرجة أنه يقال أنه يجري ما بين رفي كتب، بالإضافة إلى الاعتراف بكونه جزءًا من التراث العالمي، ولكن مما يدعو للأسف والحزن أن النهر اليوم ملوث وبشدة، لدرجة أنه لا يمكن شرب مائه أو السباحة فيه، إلا أن مدينة باريس وعد بتغيير ذلك خلال الأعوام التالية، من خلال برنامج لتنظيف مياه النهر تبلغ تكلفته حوالي مليار يورو.
وهكذا تنتهي هذه الرحلة النهرية عبر نهر السين، ذلك النهر الذي شهد أحداثًا تاريخية وثقافية وسياسية عديدة، ويشهد حاليًا أهم حدث رياضي عالمي حيث تقام دورة الألعاب الأوليمبية لعام 2024م في مدينة باريس التي يحتضنها هذا النهر ويعتبر قلبها النابض.
اقرأ أيضًا: أجمل 10 أماكن سياحية في سانت كاترين
كتبت: سحر علي.