في قلب التاريخ المصري القديم، حيث تتلاقى الأساطير مع الواقع، تشكلت أوركسترا الفراعنة السيمفوني، أوركسترا ليست كأية أوركسترا أخرى، بل تعزف على أوتار الخلود والآلهة، من هم هؤلاء العازفون؟ وكيف أُضيفت أصوات الآلهة إلى هذا السيمفوني الفريد؟ لنتوغل في أعماق الحضارة المصرية ونكتشف السر وراء هذا المزيج السحري الذي جعل من أوركسترا الفراعنة السيمفوني رمزًا خالدًا للموسيقى والفن عبر العصور.
من هم أعضاء أوركسترا الفراعنة السيمفوني؟
أوزوريس الفنان القديم:
لم يكن أوركسترا الفراعنة السيمفوني يضم عازفين وعازفات فقط، بل كان يشتمل على آلهة أيضًا، فهذا هو الإله أوزوريس صاحب المكانة الرفيعة في الحضارات المصرية، والنصيب الأكبر من الأساطير، تحكي الأسطورة أنه كان يهوى الفنون، وأهمها الموسيقى والشعر والرقص، وكان دائمًا ما يشيع حوله جوا من المرح والابتهاج، ويقال إنه كان يحيط نفسه بتسع فتيات عذراوات، كل واحدة منهن تتقن لونًا من ألوان الفنون الموسيقية فيما يشبه الآن (الأوركسترا)، ويطلق عليهن (ربات الفنون)، ويتم تنصيب (أبوللو) قائدًا لهذه الأوركسترا.
اقرأ أيضًا: لعنة الفراعنة حقائق وأحداث أم وهم ووسواس؟
آلات موسيقية في أوركسترا الفراعنة السيمفوني:
تجري الموسيقى عند الشعب المصري مجرى الدم، ويؤكد ذلك الألوان والأحبار والنقوش على جدران المعابد التي ما زالت حتى اليوم، ولأي مدى تشبه اوركسترا الفراعنة السيمفوني أكبر الفرق الموسيقية التي تعتلي مسارح العالم الآن، ومن أهم الآلات الموسيقية التي كانت موجودة في أوركسترا الفراعنة السيمفوني، وهي كالآتي:
الهارب أو القيثارة المصرية:
الهارب أو القيثارة وحيدة الوتر، رسمت على جدران أحد المقابر الفرعونية القديمة، وربما يكون هذا ما أكد على صدق أسطورة أن أول عهد الهارب المصري القديم كان في ميدان الحرب، وليس في مجال العزف الموسيقى كآلة حربية، واستلهمت منها آلة الحرب، أو قوس حربي، ويبدو أن أحدهم في المعركة جاءته فكرة أن هذا القوس الحربي يمكن أن يصلح للعزف، وأن هذا الوتر الوحيد يصدر نغمًا قد يناسب الغناء الجنائزي والابتهال الديني للآلهة.
وسواء كانت هذه الأسطورة حقيقية أم لا، فإن آلة الهارب الموسيقية استمرت وتطورت عبر الأسرات المصرية القديمة، وأصبح هناك عدة أحجام منه مثل: الهارب ذي الحامل وهو كبير الحجم، ونوع آخر يعلق في رقبة العازف، وهناك نوع ثالث يحمل على الكتف، ومن أشهر الرسوم التي وجدت في مصاطب سقارة، رسما يوضح ظهور أحد زوجات الأشراف وهي تعزف له على آلة الهارب.
وفيما يخص عدد الأوتار، فقد استمر في التزايد، حيث بدأ من ثلاثة أوتار حتى وصل إلى عشرين وترًا في أواخر الدولة الحديثة، وبالرغم من مكانة آلة الهارب قديمًا وحديثًا، إلا أن الهارب القديم انعكس على مدار التاريخ بشكل عدد من الآلات المشابهة، ومن أشهرها آلة (السمسمية) صاحبة الدور الملحمي في المقاومة الشعبية لأهالي محافظات القنال المصرية، وكأنما تعود وترتد لسيرتها الأولى، قوسًا حربيًا مستمدًا من الهارب المصري، أو ربما حدث العكس واستمد الهارب المصري وجوده منه.
اقرأ أيضًا: كعك العيد المصري.. حكاية تاريخية من الفراعنة إلى اليوم
الناي وآلات النفخ المصرية:
حكايات الناي وآلات النفخ المصرية القديمة طويلة وممتدة من الأجداد الأوائل في عصر الفراعنة، حيث عرفوا النفير في الأغراض العسكرية التنبيهية، الذي كان يشبه البوق المستخدم في استدعاء الجنود أو أفراد الشعب في المناسبات الرسمية الهامة، ووصولًا للأحفاد في العصر الحديث، حيث عرف الناي الشجي بأنواعه المختلفة، التي لا يخلو منها أي تخت شرقي اليوم.
وبالرغم من أنه لم يتم ذكر مبتكر آلات النفخ، ولا نكاد نعرف صانعه الحقيقي، إلا أن بعض الأساطير تشير في بعض الأحيان إلى (أوزوريس) الإله المحب للفن والموسيقى، وعن شكل الناي وصناعته، فقد بدأ الناي بسيطًا مكونًا من قصبة واحدة مصنوعة من خشب اللوتس، وهي دليل قوي على ارتباطه الوثيق بالحضارة المصرية القديمة، ثم بعد ذلك أضيف له جزء من قرن بقرة، وعرف بـ (مونول)، وهناك نوع آخر وهو ناي مزدوج، عرف بـ (لوتس فوتنكس) وهو قريب الشبه بـ (الأرغول) الآلة الشعبية المصرية المعروفة.
مزاهر إيزيس والآلات الجرسية:
بعد آلاف السنين من عمر الحضارة المصرية، استحدث المصريون دق المزاهر؛ للتعبير عن الفرح بالزفاف، وكانت من أشهر الأغاني التراثية المعروفة والمشهورة للزفاف “دقوا المزاهر يلا يا أهل البيت تعالوا.. جمع ووفق والله وصدقوا اللي قالوا”، ويرجع أصل المزهر أو الجلجل لعهد الفراعنة، حيث يرتبط بـ (إيزيس) إلهة الحب وواهبة الحياة.
وبالرغم من الاختلاف حول اسم المزهر، والأصل وراء هذه التسمية، إلا أن هناك احتمالًا كبيرًا تجاه ارتباطه باسم المعبودة إيزيس، حيث أوضح ذلك علماء الحملة الفرنسية في موسوعة (وصف مصر)، حيث إن المزهر يشتبه مع إيزيس ووظيفتها الكونية في إحداث الجلبة المنتظمة التي توهب الحياة، وتدب فيها النبض والحركة، والمزهر يعرف بأنه آلة تُحدث صليلة وجلبة كبيرة، عن طريق اصطدام عناصر نحاسية في تكوينها، وقد يكون الأقرب إليها الآن في التخت الشرقي آلة (الرق)، ويقال إن المزهر تم استخدامه في العهود القديمة في الصلصلة؛ للتخفيف عن الزوجات اللاتي يلدن ويعانين من آلام الولادة.
اقرأ أيضًا: كيف تعامل الفراعنة مع أزماتهم الاقتصادية؟
آلات الإيقاع المصرية:
الأسرة الإيقاعية في مصر الفرعونية القديمة حظت بالعديد من الآلات التي كانت مسئولة عن ضبط الإيقاع، ومنها (العصي المصقفة) وهي آلة بدائية قديمة ربما قد تكون سابقة لوجود المزاهر والهارب والنايات، لكنها وحدها لم تكن كافية لضبط الإيقاع، بل كان يصاحبها باقة من الدفوف، التي كانت معتمدة في استخدامها على العازفات؛ لأنها كانت خفيفة وسهلة الاستعمال، ولا تحتاج إلى بذل الطاقة أو المجهود البدني.
بعد هذا العرض الرائع لأوركسترا الفراعنة السيمفوني بقيادة آلات الهارب والناي والمزاهر لضبط الإيقاع، تأكدنا أن الحضارة المصرية ليست علومًا وتاريخًا فقط، بل لها من الفنون أيضًا نصيب.
اقرأ أيضًا: الفراعنة عرفوا نوع الجنين .. معجزات فرعونية الجزء الثالث
كتبت: سحر علي.