“في التأني السلامة وفي العجلة الندامة” من أكثر الأمثلة الشعبية المعبرة عن الحماس المفرط، فهي ليست حالة مزاجية فحسب، بل حالة اعتيادية تصدر على هيئة سلوكيات من قِبل الكثير من الأشخاص خاصةً فئات الجيل الحالي، فعلى قدر أنه يمثل القوة ولكن قد يتحول إلى فخ إذا لم يُحسن إدارته على نحوٍ طبيعي، فبينما يمنحنا طاقة وقوة دافعة للشغف تجاه الحياة، فإن الإفراط فيه يؤدي إلى اتخاذ قرارات متهورة ومجنونة تقودنا إلى نتائج كارثية، وحتى نتجنب هذا الأمر دعونا نستكشف تحديات هذا الشعور، وما الخطوات اللازمة للحصول على نتائج مرضية.
ماذا يعني الحماس المفرط؟
الحماس المفرط (excessive enthusiasm) هي حالة شعورية لحظية تعبر عن خليط من المشاعر الإيجابية المستوحاة من الطاقة الداخلية للمرء، ولكن حينما تتحول لإفراط فهذا ينتج عنه مبالغة في المشاعر وفي ردود الفعل؛ مما يعزز من الوصول إلى نتائج كارثية؛ لأنه يخلق اندفاعًا لا واعٍ للإنسان يجعله يخوض تجارب غير مدروسة أو اتخاذ قرارات مصيرية تعرضه للخطر وما إلى ذلك.
كما أن فهم ماهية هذه الحالة تساعد بفعالية كبرى على تحسين نمط حياة الأشخاص، عبر تحويل الطاقة إلى طاقة إيجابية مختزلة طبيعيًا، مع التحكم ذاتيًا في إدارة العواطف والسلوكيات التي تقلل العوامل النفسية الضاغطة بمحض التفاعل الاجتماعي الذي يكون نابعًا للتوترات بالنسبة لهم.
اقرأ أيضًا: أكثر من مجرد ملل.. فهم ظاهرة فقدان الشغف وعلاجها
أسباب الحماس الزائد:
يرجع أصل تبعيات هذه الحالة إلى أسباب جذرية لها طفرة متحولة كليًا في تصرفات وتفكير الأفراد، والتي بإدراكها يمكن المسارعة في علاج الأمر، وهذه الأسباب نشير بها فيما يلي:
اضطرابات شخصية:
يبرز دور اضطرابات الشخصية في الحماس المفرط بأنها تسهم في إحداث زيادة غير طبيعية في مستويات الهرمونات والسيكولوجية النفسية، نتيجة لتلاعب النواقل الكيميائية المتغيرة، وهذا يظهر عبر سلوكياتهم ومشاعرهم، فعلى سبيل المثال تتحول الأشخاص المصابين بهذه الحالة إلى شخصية أكثر هوسية أو ربما انفعالية، الأمر الذي ينحدر إلى مسارًا سيئًا في حياتهم.
العوامل الوراثية:
إلى جانب الاضطرابات النفسية نأتي أيضًا بالعوامل الوراثية، التي تعزز من استجابة الإنسان العاطفية والسيكولوجية نتيجة ميول الجينات المتوارثة إلى أن تكون عرضة للإصابة بهذه المتلازمة، وهذا بفضل تعزيز التاريخ العائلي المتغيرات البيوكيميائية من جيل لآخر.
العوامل البيولوجية:
تشكل العوامل البيولوجية علامة فارقة في تطور متلازمة الحماس المفرط بشكل أكثر سوءًا، إذ أنها ترتكز على المتغيرات الهرمونية المسئولة على تنظيم المشاعر والسلوكيات بفضل هرمون الدوبامين والسيروتونين المرتبطين بتعزيز المشاعر الإيجابية على نحوً طبيعي.
البنية الدماغية:
لعل المركز الرئيسي للشبكة المسئولة على تنظيم هذه الحالة عبر الهرمونات والنواقل العصبية، إذ أن الأبحاث تشير إلى أن التغيرات في بنية الدماغ يكون منبعًا خطيرًا على صحة الإنسان بشكل عام خاصة في منطقتي القشرة الجبهية والنظام الحوفي اللذين يكونان مسئولان عن التحكم في الانفعالات والمشاعر النشطة.
ماذا يسبب الحماس الزائد؟
عند ذكر سلبيات هذه الحالة لا سيما أن هذا يدرج تحت مسمى مؤثرات هذا الاضطراب، الذي يُرغم الإنسان لفعل أشياء غير طبيعية تعكس أن هناك خلا وظيفيا في النظام الحيوي للسيكولوجيا الجسمانية أو ربما في وظائف الدماغ، وهذا بالتالي يؤدي إلى المؤثرات التالية:
فعل تصرفات ضارة وسريعة:
تنحصر هذه التصرفات في إظهار ردود فعل أو سلوكيات ليس في محلها الصحيح تؤدي إلى مخاطرة الفرد لفعل شيء معين، أو ربما اتخاذ قرارات متهورة دون تخطيط، وأيضًا الإفراط في أداء نشاط أكثر من اللازم.
ظهور مشكلات نفسية حادة:
تتجلى سلبيات نفسية حيال إصابة الفرد بهذه الحالة نتيجة الاضطرابات السيكولوجية الذي يمر بها جراء تبعات تلك المتلازمة، والذي يؤدي إلى شعور المرء بالاكتئاب أو القلق، ما يشعره بفقدان لذة الحياة بالنسبة له الناتجة عن فقدانه هويته الحقيقة بفضل مروره بهجمة من المشاعر السلبية.
كيف تسيطر على حماسك؟
إن السيطرة على الحماس المفرط يلزم عنه الوعي بأبعاد هذا الاضطراب من كافة جوانبه بدايةً من ماهيته حتى الأسباب الجذرية المساعدة في إيجاد الحل الفعال، وهذا يأتي بالمباشرة في العلاج النفسي لدى أحد المتخصصين حتى يكشف عن ما وراء الاضطراب عبر تجارب الشخص ومواقفه من خلال تقنيات الاسترخاء أو العلاج السلوكي المعرفي.
ومن ثم يأتي بخطوة العلاج الدوائي باعتبارها حلًا مرنًا يسهم في تثبيط مستويات نشاط الهرمونات عن الحد الطبيعي لها عبر تناول مضادات الاكتئاب أو المهدئات النفسية، والمزج بين العلاج النفسي والدوائي يعطي نتائج صحية للغاية من حيث إمداد الفرد بالقوة وحسن إدارة عواطفه وسلوكياته على نحوً أفضل.
بالوصول إلى نهاية مقالنا، يتضح أن أزمة متلازمة الحماس المفرط اتضح أن إدارته بعقلانية ومرونة هو المفتاح لتحقيق حياة صحية متوازنة دون مواجهة أي عقبات سلبية فيما بعد، إذ أن إدراكك لها بدقة سوف يجعلك تحقق أهدافك وتؤدي إنجازاتك بشكل فعال.
اقرأ أيضًا: الإجهاد العقلي عدو خفي يهدد عقولنا.. كيف نقاومه وننتصر؟
كتبت: جهاد محمد.