قد مَنَّ الله -سبحانه وتعالى- علينا بالعديد من النعم التي يتوجب علينا شكره عليها بالطريقة التي يرضاها ويحبها، ومن أعظم النعم التي منحها الله لنا كمسلمين هي إرسال سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليعلمنا تعاليم الإسلام، فكان من أكبر وأهم الأحداث التي حدثت في تاريخ الإسلام هي رحلة الإسراء والمعراج التي فرض الله -سبحانه وتعالى- فيها أهم ركن من أركان الإسلام وهو الصلاة.

فتعتبر الإسراء والمعراج من أهم المناسبات الدينية الهامة في حياة المسلمين، حيث تحتفل جميع الدول والمجتمعات الإسلامية بليلة السابع والعشرين من رجب إحياءً لذكرى الإسراء والمعراج وتعزيزًا لها في نفوس المسلمين، وقبل أن نتحدث عن الاحتفالات وتطورها على مدار العصور هيا بنا نتعرف عزيزي القارئ على المقصود بالإسراء والمعراج.

المقصود برحلة الإسراء والمعراج:

رحلة الإسراء والمعراج حادث عظيم في تاريخ الإسلام حدث لرسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- وفرض فيه ركنًا عظيمًا من أركان الإسلام وهو الصلاة، فتنقسم هذه الرحلة إلى مرحلتين:

  • أولًا الإسراء: هو رحلة أرضية ليلة أسري الله فيها بنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس.
  • ثانيًا المعراج: هي رحلة سماوية أعرج فيها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الأقصى إلى السموات العليا حتى وصل إلى سدرة المنتهى، والتقى بالأنبياء ورأى بعض آيات الله الكبرى وفرضت عليه وعلى أمته الصلاة.
المقصود برحلة الإسراء والمعراج

المقصود برحلة الإسراء والمعراج

اقرأ أيضًا: رحلة الإسراء والمعراج.. رموز إلهية تغير نظرتك للحياة

ما سبب حدوث رحلة الإسراء والمعراج؟

لكل حدث في الإسلام حكمة وأثر على الإسلام والمسلمين، وقد كان لرحلة الإسراء والمعراج أثر كبير وتغير جذري في حياة المسلمين، وقد حدث هذا الحدث لحكمة إلهية عظيمة، ومن أهم أسباب حدوث رحلة الإسراء والمعراج هي:

  • التخفيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في عام الحزن بعد فقد زوجته السيدة خديجة بنت خويلد وعمه أبي طالب -رضي الله عنهما-.
  • إظهار مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث أظهرت هذه الرحلة مكانته من خلال لقائه بالأنبياء وصلاته بهم إمامًا، فلم يسبق لأحد من البشر أن أكرم الله -سبحانه وتعالى- أحدًا من البشر بمثل هذا الشرف العظيم.
  • فرض الصلاة، فكانت أول عبادة تفرض على المسلمين في المعراج.
  • تقوية إيمان المسلمين، فكانت هذه الرحلة معجزة عظيمة ساهمت في تقوية إيمان الصحابة وخاصة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي سمي بالصديق؛ بسبب تصديقه التام للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • إظهار عظم قدرة الله -سبحانه وتعالى-، حيث جمع بين السماء والأرض، وكان لهذه الرحلة أثر روحي ومعنوي كبير على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى المسلمين عمومًا.
ما سبب حدوث رحلة الإسراء والمعراج؟

ما سبب حدوث رحلة الإسراء والمعراج؟

اقرأ أيضًا: تعرف على 10 قيم من رحلة الإسراء والمعراج

طقوس الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج:

هيا بنا عزيزي القارئ نتحدث عن طقوس الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، حيث تحمل هذه الاحتفالات طابعًا ثقافيًا وتراثيًا يعكس روح المجتمع، ومن أبرز هذه الطقوس التي يقيمها المسلمون:

  • إقامة حلقات الذكر والدروس الدينية:

تعقد في المساجد أو البيوت حلقات تلاوة القرآن الكريم والحديث النبوي، ويركز الخطباء والعلماء على أهمية الحدث ودلالته الروحية.

  • تزيين المساجد والمنازل:

يتم تزيين المساجد بالأنوار واللافتات التي تحمل أدعية وآيات من القرآن الكريم.

  • إعداد الأطعمة والحلوى الخاصة:

تقوم بعض البلدان بإعداد حلوى خاصة مثل: الكنافة، القطايف، والأطعمة المحلى، وتوزع هذه الحلوى على الجيران والأصدقاء.

طقوس الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج

طقوس الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج

  • إحياء ليلة الإسراء والمعراج:

يتجمع المسلمون لإقامة صلاة قيام الليل، والتأكيد على أهمية العبادة والقرب من الله.

  • التصدق ومساعدة المحتاجين:

من أبرز عادات الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج التصدق ومساعدة المحتاجين، حيث تستحضر معاني الرحمة والإحسان التي تجسدت في رحلة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيعبر المسلمون عن امتنانهم لهذه المناسبة بتقديم العون للفقراء، اقتداءً بالقيم النبيلة التي دعا إليها الإسلام.

  • تنظيم مهرجانات شعبية:

في بعض البلدان مثل: إندونيسيا، وماليزيا، تنظم مهرجانات شعبية تحتوي على عروض ثقافية ودينية لإحياء المناسبة.

فهذه العادات تختلف عزيزي القارئ من بلد لأخرى، لكنها تشترك في هدفها بتكريم وتعظيم رحلة الإسراء والمعراج كحدث تاريخي وروحي.

اقرأ أيضًا: يوم عاشوراء.. دروس خالدة في اليقين والتميز والثبات

عادات الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج على مر العصور:

تطور الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج على مر العصور، حيث كان يتم الاحتفال بأساليب مختلفة تعكس طبيعة وثقافة المجتمع والزمن، هيا بنا عزيزي القارئ نتعرف على أهم عادات الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج:

  • أولًا العصر النبوي والراشدي:

لم يكن اهتمام الناس في هذه العصور يعتمد على الاحتفال لإحياء ذكرى الإسراء والمعراج، ولكن كان شغلهم الشاغل هو التركيز على نقل قصة رحلة الإسراء والمعراج من خلال التعليم والدعوة، وتوضيح معانيها الروحية والإيمانية.

  • ثانيًا العصر الأموي (660- 750):

بدأت تظهر مظاهر الاحتفال بالمناسبات الدينية في المدن الكبرى وخاصة في القدس، نظرًا لمكانة المسجد الأقصى، كان التركيز على تلاوة القرآن الكريم والتذكير بقدسية المسجد الأقصى الذي ذكره في سورة الإسراء.

  • ثالثًا العصر العباسي:

بدأت الاحتفالات في العصر العباسي تأخذ طبع مختلف، فأخذت الاحتفالات الدينية طابعًا رسميًا فكانت تقام في القصور والمساجد، حيث كانت تنظم الدولة مجالس للذكر، وكان الشعراء يلقون قصائد الشعر وأناشيد تتحدث عن الإسراء.

عادات الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج على مر العصور

عادات الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج على مر العصور

  • رابعًا العصر الفاطمي:

اشتهر الفاطميون بإقامة المناسبات الدينية بما في ذلك ذكرى الإسراء والمعراج، فزينت الشوارع بالأضواء وتم إعداد الأطعمة التي كانت توزع على العامة، عرفت بالمسيرات والمواكب التي كانت تسير في الشوارع احتفالًا بهذه المناسبة.

  • رابعًا العصر المملوكي:

أعاد المماليك بعض مظاهر الاحتفال الفاطمي لكن بشكل مختلف، أقيمت مجالس الذكر والمدائح النبوية في المساجد، نظمت الدولة مواكب احتفالية حضرها الأمراء والعلماء، وتم توزيع الصدقات والطعام على الفقراء، شهدت الاحتفالات إحياء الجانب الثقافي من خلال الانشاد الديني وقصائد المدح.

  • خامسًا العصر العثماني:

استمر العثمانيون في الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، حيث أقيمت الفعاليات الدينية في المساجد الكبرى، ركزت الاحتفالات على قراءة القرآن الكريم والأحاديث المتعلقة بالحدث، كان الحكام العثمانيون يرسلون الهدايا والزينة للمساجد وخاصة مسجد الأزهر، انتشرت تقاليد شعبية مرتبطة بالاحتفالات مثل توزيع الحلويات كالكنافة والبقلاوة.

  • سادسًا العصر الحديث:

مع بداية القرن التاسع عشر أصبحت الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج أكثر انتشارًا في المدن والأرياف، نظمت الحكومة المصرية حفلات دينية رسمية بحضور علماء الأزهر الشريف، تميزت بتلاوة القرآن الكريم وإلقاء الأناشيد الدينية وتقديم خطب عن الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج، بدأت وسائل الإعلام (الإذاعة والتليفزيون) تغطي المناسبات وتنشر محتوى ديني مرتبط بها.

  • سابعًا مصر في القرن الواحد والعشرين:

أصبحت ذكرى الإسراء والمعراج عطلة رسمية، تقام احتفالات دينية في المساجد الكبرى مثل: الأزهر، والحسين، وسائل الإعلام والقنوات الفضائية تلعب دورًا كبيرًا في الاحتفال من خلال البرامج الدينية، تنظم وزارة الأوقاف والأزهر ندوات ودروسًا توعوية تبرز معاني المناسبة وأهميتها في العقيدة، وعلى صعيد آخر تستمر بعض العادات القديمة مثل: توزيع الحلوى، وإقامة حلقات الذكر في المنازل ببعض المناطق الشعبية.

ولكن عزيزي القارئ يجدر الإشارة إلى أن الاحتفال الحقيقي لإحياء ذكرى رحلة الإسراء والمعراج هو التوبة الصادقة لله -سبحانه وتعالى- والتقرب إليه بالصدقات والنوافل وقيام الليل والرجوع إلى القرآن والذكر وإحياء سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا هو الاحتفال الحقيقي الذي يرضى عنه الله ورسوله.

اقرأ أيضًا: كيفية استقبال شهر رمضان؟.. خطوات لتحديد الأهداف الروحية

كتبت: هاجر حمدي.