تخبئ قلعة حلب في طيات أسوارها أسرارًا معمارية مبهرة، مما جعلها تتصدر قائمة أقدم القلاع التاريخية المبنية على الطراز المعماري الإسلامي، فقد تعاقبت عليها حضارات عديدة ساهمت في بنائها وتطوير تصميمها المعماري، بدءًا من الآراميين واليونانيين مرورًا بالبيزنطيين والرومان، وصولًا إلى العصر الإسلامي، وتقف اليوم بشموخ شاهدةً على مراحلها التاريخية المجيدة. 

موقع قلعة حلب

بنيت قلعة حلب فوق تلة مرتفعة تدعى أكروبول، وتقع شرق المدينة القديمة، وأصبحت اليوم في قلب المدينة، ما يمنحها إطلالة بانورامية رائعة على مدينة حلب

لمحة تاريخية عن قلعة حلب

يبلغ عمر القلعة تسعة آلاف عام، وتكمن أهميتها التاريخية في تعدد وظائفها عبر الحضارات المختلفة، فقد وظفها الحثيون كثكنات عسكرية من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن ق.م، ثم هيمن عليها الآشوريون، وهيمنت الدولة البابلية الحديثة من القرن الثامن حتى القرن الرابع ق.م، بعد ذلك استولى عليها السلوقيون وأعادوا بناؤها، واعتُبرت أكروبول محصنًا بين عامي 358 و281 ق.م، وتبعهم الرومان في حكمها بين 64 ق.م و540م.

دخلها المسلمون العرب بقيادة خالد بن الوليد وعبيدة بن الجراح عام 636م، سيطر الزنكيون عليها وقاموا بترميمها وتطويرها بين عامي 1086 و1183م، ثم حكمها الأيوبيون وحصنوها وأعطوها شكلها الحالي بين عامي 1193 و1215م، ثم غزاها المغول ودمروا مدينة حلب ثم انتصر عليهم المماليك وحكمها العثمانيون من بعدهم في عام 1260م، وبدأ الفرنسيون عمليات التنقيب الأثرية وأعمال ترميم واسعة للقلعة بين عامي 1920 و1946م، وأدرجت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1986م، وأجرت مؤسسة الآغا خان بالتعاون مع الجمعية الأثرية عمليات حفظ واسعة عام 2000م. 

قلعة حلب تظهر تفاصيل أسوارها وأبراجها مع إطلالة بانورامية على المدينة

وصف قلعة حلب من الداخل والخارج

تضم القلعة تحصينات وعناصر هندسية مميزة، تعكس مهارة مهندسي العمارة الذين شاركوا بتصميمها على مر الحضارات، وأهمها: 

  • مدخل القلعة: مدخل ضخم ومعقد يتألف من خمسة أبواب يبلغ ارتفاع كل منها حوالي 20 مترًا، تصل بينها دهاليز وقاعات للدفاع والذخيرة قبل الوصول إلى الداخل، مما يشكل عنصر حماية متكامل للقلعة. 
  • سور القلعة: يحيط بالقلعة سور شبه دائري يحتوي أبراجًا دفاعية يبلغ عددها 44 برجًا تتوزع على طول سور القلعة وخاصة قرب المداخل، وكانت تستخدم للرماية والترصد. 
  • خندق دفاعي: أهم وسيلة دفاعية للقلعة، ساعد في ردع الأعداء عن التقدم نحو سور القلعة، وكان يملأ بالماء أثناء فترات الحرب، يبلغ عرضه 32 مترًا وعمقه 22 مترًا، فيكون مجموع ارتفاع القلعة عن أرض الخندق حوالي 55 مترًا. 
  • سكب الزيت: فتحة صغيرة توجد فوق كل باب، تُستخدم لسكب الزيت المغلي فوق رؤوس الأعداء أثناء الحروب.
  • حبس الدم: سجن تاريخي يقع في قبو القلعة، كان خزان ماء في العهد البيزنطي، تم تحويله إلى زنزانة عميقة استخدمها المماليك والفرنسيين كمعتقل. 
  • الممر السري: ممر مخفي يقع تحت قاعة العرش يصل إلى خارج القلعة استُخدم للهروب في حالات الطوارئ. 
  • المنحدر: شديد الانحدار إذ يصل لزاوية 84 درجة، رصف ثلثي المنحدر بالحجر الجيري اللامع. 
عرض تفاصيل سور القلعة، أبراجها، ومدخلها الكبير

قلعة حلب من الداخل

تحتضن القلعة عدة مباني وظيفية تشمل مباني للسكن، مباني دينية، قصر، خزانات مياه، ومباني دفاعية، وتنقسم إلى: 

  1. القصر الأيوبي أو القصر الملكي: بني في عهد الملك الظاهر غازي على أنقاض ثلاثة قصور تعود للعصر الزنكي.
  2. الحمام: شيد مع بناء القصر الأيوبي في القرن الثالث عشر الميلادي. 
  3. قاعة العرش المملوكي: تقع القاعة فوق برج المدخل الرئيسي للقلعة، بدأ بناءها في عهد الأمير سيف الدين، في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم قام السلطان المملوكي المؤيد شيخ عام 1417م بإكمال السقف الخشبي. 
  4. مسجد ابراهيم الخليل: كان في السابق كنيسة بيزنطية، ثم أصبح مقامًا لإبراهيم الخليل، يعود بناءها إلى عهد نور الدين الزنكي في عام 1167م. 
  5. الجامع الكبير: بناه الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي عام 1210م، ويحوي مئذنة مربعة ارتفاعها 20م.
  6. المدرج الحديث: شيد عام 1980م، يتسع لحوالي ثلاثة آلاف متفرج لعقد الفعاليات والحفلات الموسيقية. 
  7. المتحف: أُفتتح عام 1994 في مبنى ثكنان إبراهيم باشا العسكرية في القلعة، الذي بني عام 1834م. 
منظر داخلي لمبنى قلعة حلب يظهر الممرات الداخلية

وختامًا، لا تعد قلعة حلب مجرد مبنى تاريخي، بل هي شهادة على حضارات عاشت على أرضها وحمت المدينة على مدى آلاف السنين، فكل حجر فيها يحكي قصة، وكل باب وكل برج يعكس براعة من بناها، لذلك تعد زيارة القلعة فرصة لتستشعر عظمة التاريخ وتستمتع بجمال التحصينات والهندسة التي جعلتها دائمًا فخر المدينة.

كتبت: هبه حماده.

المصادر: دراسة القلاع التاريخية في سورية والمسجلة على لائحة التراث العالمي، حلقة بحث في مبادئ ومفاهيم السياحة، ماجستير الاقتصاد والإدارة السياحية، كلية السياحة، جامعة دمشق. 

https://www.safaraq.com/ar/syria/blog/aleppo-citadel#automated-offer