أخطر من كورونا
كتبت / وئام مصطفى
في هذه الفترة بعدما انتشر العديد من الفيديوهات لسكان بعض الأحياء في إيطاليا وأسبانيا وهم يتشاركون الغناء أو الدعاء والأحاديث خلف قصبان الشرفات والنوافذ امتثالاً لفرض الحجر الصحي بسبب تفشي وباء كورونا.
خاصة قبيل الساعة السادسة وهي الساعة التي يخرج فيها رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي ليعلن تطورات الأحداث، فصارت هذه الساعة هي ساعة الحسم أو الرعب. إن مثل هذه السلوكيات مابين الأفراد تنتشر وقت الكوارث، أو عندما يكون عدة أفراد في أزمة مشتركة فيرتبط مصير الفرد بالجماعة التي ينتمي إليها. هنا تجد أن الفجوة بين أفراد المجتمع تقل ويزداد الترابط بينهم، ربما يكون ذلك لتحفيز بعضهم بعضًا على الاستمرار أو لتخفييف من حدة التوتر الناجم عن هذه المرحلة العصيبة.
يخبرنا علماء النفس أن هنالك أنماط سلوكية ونفسية جماعية تظهر وقت انتشار الأوبئة والأزمات. ودراسة هذه الأنماط يندرج تحت علم يسمى (سيكولوجيا الأوبئة) Epidemic Psychology.https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(02)06138-X/fulltext
إحدى نظريات علم الاجتماع تقول أنه كلما كانت حالة الثقة بين المواطنين والحكومة مرتفعة كلما كانت الحكومة أقدر على السيطرة واحتواء مثل تلك المواقف. لكن حينما يبدء الخوف بالتسلل إلى قلوب المواطنين قد يتحول الوضع إلى فوضى وسلوكيات غير منطقية يصعب السيطرة عليها ولا يحمد عقباها. فالانسان يظل الكائن العاقل المسالم طالما كان في الأوقات الطبيعية التي لا تشكل خطرًا على حياته، لكن حينما يدق ناقوس الخطر يعود إلى طبيعته البدائية ويفقد أسس الحضارة والمنطق ويترك مشاعره واحتياجاته تتحكم به. كما رأينا من حالة الهلع الشرائي التي انتشرت في العديد من البلاد كمصر وكندا وفرنسا وغيرها. وذلك بسبب الخوف من نقص الموارد الغذائية أو الطبية أو حتى أدوات المنزلية فأدى ذلك إلى اختفاء بعض الأدوات كالمناديل الورقية والمنظفات كمادة الكلور وبعض أنواع المعقمات الطبية والكمامات وما إلى ذلك.
ومن ثم ماحدث في الولايات الأمريكية المتحدة حيث قام العديد من المواطنين بتسليح أنفسهم، مستعدين لهذا المرض كأنما هي الحرب. وقد وقعوا بذلك الفعل في “فخ هوبز” وهي نظرية في علم الاجتماع تقول أن الخوف حينما يتراكم يسعى الخائف إلى تسليح نفسه فبالتالي يقوم جاره بالمثل وهكذا إلى أن يصبح الجميع عدو الجميع.
إن التاريخ دائمًا مايعيد نفسه كما تخبرنا نظرية العود الأبدي لنيتشة، فحينما انتشر وباء الكوليرا في فرنسا من سنة 1882 واستمرت عقدًا من الزمن وقد أودت بحياة 19 ألف شخص في فرنسا حينها. وقد بدأت نظريات المؤامرة بالانتشار مثل “الوباء من صنع الانسان”، فقد ظن الشعب الفرنسي أن حكومة الملك لويس فيليب تضع مادة الزرنيخ في المياه لتتخلص من أكبر عدد من سكان المناطق الفقيرة.
وقد ادت تلك الشائعة إلى غضب وحراك شعبي. وتستمر نظريات المؤامرة بالظهور في أيامنا هذه حول ما إن كانت أمريكا قد صنعت هذا الفيروس لتوقع باقتصاد الصين. إلا ان مثل هذه الادعاءات لم يثبت صحتها إلى الآن.ومازال الأطباء والعلماء يبحثون إن كان السبب في ظهور هذا الفيروس هو عدوى التقطها الانسان من الخفافيش أو من كائن آخر يسمى آكل النمل الحرفشي ولا يوجد من دليل إلى الآن ان الفيروس مصنع في معمل.
ونرى أيضًا من الأنماط التي انتشرت وستنتشر في هذه الأيام هو اللجوء إلى العلاجات الشعبية، فنحو 80% من مصابي كورونا في الصين تلقوا مثل تلك العلاجات.وفي الهند لجأ بعض الهندوس إلى التبرك بالأبقار وشرب بولها لوقاية انفسهم من هذا الفيروس. وأيضًا سنرى تصاعد التدين بين أفراد المجتمع وزيادة ممارسة الشعائر الدينية، ففي أحداث سبتمبر عام 2001 حينما وقع حادثة انهيار برجي التجارة وصلت نسبة الأمريكيون الذين يرون انهم بحاجة إلى الدين من 40% قبل الحادثة إلى 70% بعدها. أو ربما يحدث العكس تمامًا مع بعض الأفراد فيدخلون في حالة شك في معتقداتهم وقيمهم ويقومون بتغيير دينهم كما حدث مع مرضى الايدز في التسعينيات.
انتشار الشائعات في هذه الفترة هو الأمر الذي يجب أن تتخذ الحكومة اجراءات صارمة بشأنه، وهو ماسيزداد في الأيام القادمة، وسيزداد أيضًا أعداد المستغلين والدجالين وأصحاب العلوم الزائفة أو العلاجات الشعبية ونحوه وذلك لاستغلال الموقف. فمع وجود وسائل التواصل الاجتماعي وتقارب المسافات بين الناس.والتي صار ت سلاحًا ذو حدين فإما ان نستخدمها في زيادة الوعي أو يستخدمها البعض في تناقل الأخبار الكاذبة وإثارة البلبلة وهو أمر لا نحتاجه خاصة هذه الفترة المليئة بالتوترات.