للغرب حكمة شهيرة تقول :

” أن أعطتك الحياة ليمون، فأصنع ليمونادة”

والغرض من تلك الحكمة هو أنه إن أعطتك الحياة شيئًا مرير أو عديم النفع فأصنع أنت منه بحكمتك شيئًا نافعاً

والأمر ينطبق علي أزمة جائحة الكورونا التي نمر بها الآن.

بلا شك أن جميعنا نعاني من تفشى هذا الوباء في حياتنا سواء كنا أصبنا به، أو نعرف أحدًا قد أصيب به ، أو حتي عانينا من الخوف من الإصابة وكيف قيد هذا الخوف حياتنا

لقد أدت الأجراءات الوقائية من “الكورونا” إلى توقف السفر، وحظر التجوال،

وإغلاق جميع المقاهي والمطاعم، وحتي توقف الأعمال أو فرضاها على المنزل

ولم يكفي هذا فقد أدي الهلع إلى نقص شديد في بعض المنتجات الطبية مثل الأقنعة الطبية، و المنظفات

كما هرع العديد من الناس إلى المتاجر ليبتاعوا مخزون من الطعام يكفيهم حتي العام القادم

وانتقل الحديث من إنتشار الكورونا إلى أنه نهاية العالم.

وأثرت الكورونا علي حياتنا جميعًا

فكلما أنتشر الوباء في شتي بقاع الأرض أنتشر معه الهلع من هذا المرض المعدي، الذي لم يصل العلماء إلى مصل مخصص له حتي الآن

وأصبح الإنسان هو الخطر الأكبر علي أخيه بدون أي نية للعدوان، وقد أدى هذا إلى عزلة نفسية أكثر منها جسدية.

كل ما ذكرته حتي الآن هو الجانب السئ في واقعنا الحالي أو بمعنى آخر

كل ما سبق كان ” ليمون” وقبل أن أكمل كلامي دعوني أوضح أن ما نمر به الآن هو أزمة حقيقية بكل تأكيد ولا أنوي التقليل من خطورتها

ولا أنا معارض لأخذ احتياطات وقائية لحماية كل منا ومن نحب

ولكن كما أن الوقاية والحذر مطلوبة فيجب أن يصاحبهما كذلك الحكمة والرجاء .

فلم يكن هذا الوباء الأول من نوعه فقد جاء من قبله أوبئة كثيرة لم نعاصرها ولكننا نعرف عن شدتهم

وكما انقضوا فكذلك ستنقضي الكورونا مهما طالت سطوتها .

وقد جاءت لتفرض علينا العزلة ولتذكرنا بأن هناك أشياء لا نستطيع التحكم بها

لكن ما نستطيع التحكم به هو رد الفعل، وهو أن نستغل الظروف الحالية أفضل أستغلال، أو بتعبير آدق ، يجب أن نأخذ كل ما بها من مساوء ونصنع ليمونادة، ويشتكي العديد ممن أضطرتهم الظروف إلى العمل من المنزل أو توقف العمل من طيلة البقاء في المنزل وقلة الخروج، ولكن العمل سيعود لا محالة بصخبه وضوضاءه وساعاته المبكرة، وسنعود جميعنا إلى زحمة المواصلات قبل وبعد العمل، وإلى المعاناة من المدير العصبي وعصفورة الشركة التي لا تهدأ، فلماذا لا نأخذ هذه الفترة كفترة نقاهة عن كل ما هو سئ في العمل؟ للتعافي من ضغط العمل وجوه المشحون ، حتى نعود مجددًا بعد أن أعطتنا الطبيعة إجازة جبرية.

لقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بدعايات لمواقع التعلم الإلكتروني ودعى العديد إلى استغلال الوقت في القراءة، نعم، لم لا تكون هذه الفترة أكثر من مجرد عزلة؟ لماذا لا تكون فرصة للاسترخاء لتعلم أمور جديدة؟ إن كان عملك في شاشة الحاسوب تؤلمك عيناك فلترحهما الآن، وإن كان عملك يتطلب أعمال بدنية شاقة فلتريح جسدك حتي تعود بنشاط، مهما كان ما يتعبك في عملك فليكن انتشار الوباء فرصة لتستعيد صحتك.

وكما أشتكي العديد من الآباء والأمهات من تواجد الأولاد في البيت لوقت أطول من المعتاد حتي ضج الجميع، فهم أيضًا سيعودون للدراسة والخروج مع أصدقائهم حتي تندر رؤيتهم، فلماذا لا تكون هذه الفترة لاستعادة الترابط العائلي ولم شمل الأسرة؟ ليهدئ الآباء والأمهات أولادهم حين ترعبهم الأخبار ويتعرف الأولاد علي أولياء أمورهم الذين طالما كانوا مشغولين بأعباء الحياة، ففي خضم الأخبار المفزعة التي تمتلئ بالأرقام المهولة عن أعداد المصابين وأعداد الوفيات سينظر الصغار إلي الكبار ليتعلموا منهم ما يجب أن يفعلوه فلنعلمهم أن يتحلوا بالحكمة والرجاء، وأن يتوخوا الحذر بدون أن يهلعوا.

وبينما نحن في المنزل، فلنعلمهم أن يصنعوا ليمونادة.

كتب/ جوزيف بشارة