تُوفي الناصر مُحمَّد بن قلاوون سنة 741هـ المُوافق فيه سنة 1340م والواقع أنَّ وفاته جاءت إيذانًا بإنتهاء فترة الإستقرار والرخاء التي تمتعت بهما الدولة المملوكيَّة في عهده.
وإذا كان أبناء الناصر مُحمَّد وأحفاده قد تمكنوا من البقاء في الحُكم أربعين سنة بعد وفاة الناصر نفسه فإنَّ ذلك لا يرجع إلى موهبةٍ خاصَّةٍ ظهرت في أحد أولئك السلاطين وإنما كان مرجع ذلك هيبة بيت قلاوون نفسه في قُلُوب المُعاصرين، وهي الهيبة التي وضع أُسُسها المنصور قلاوون وإزدادت نُموًّا في عهد ولده السُلطان الناصر مُحمَّد، وبِعبارةٍ أُخرى فإنَّ أبناء الناصر مُحمَّد وأحفاده عاشو على السُمعة الطيِّبة والمكانة الراسخة والشُهرة الواسعة التي تركها الناصر مُحمَّد بِالذَّات في قُلُوب مُعاصريه، رُغم أنَّهُ كان من هؤلاء الأبناء والأحفاد من لا يستحق المُلك لِضُعفه أو سوء خُلُقه أو صغر سنِّه.
خِلال العشرين سنة الأولى التي أعقبت وفاة الناصر مُحمَّد (741 – 762هـ \ 1341 – 1361م) تولَّى منصب السلطنة ثمانيةٌ من أولاده، وفي العشرين سنة التالية (762 – 784هـ \ 1361 – 1382م) تولَّى المنصب أربعة من أحفاده، وبعد هؤلاء الأبناء والأحفاد تولَّى منصب السلطنة وعُمره عامٌ واحد، مثل الكامل سيف الدين شعبان، كما أنَّ بعضهم لم يبقَ في الحُكم إلَّا شهرين وبضعة أيَّام مثل الناصر شهاب الدين أحمد، وشهدت هذه الفترة من حياة الدولة المملوكيَّة إضطرابات وعدم إستقرار وفوضى، تركت أثرها واضحًا في جميع نواحي الحياة السياسيَّة والإقتصادية َّوالإجتماعية.
وزاد من أحوال البلاد سوءًا في ذلك الدور إنتشار وباءٍ خطيرٍ عُرف بإسم «الوباء الأسود» سنة 749هـ المُوافق فيه سنة 1349م – أي في عهد السُلطان الناصر حسن بن مُحمَّد – فمات كثيرٌ من الناس وتأثَّرت الحياة الإقتصاديَّة أسوأ أثر حتَّى كادت تتوقَّف تمامًا، وتوقفت الأحوال بِالقاهرة وسائر مصر ووقف خلف كُل سُلطان من أبناء الناصر مُحمَّد وأتباعه أميرٌ أو أكثر من كُبراء أُمراء المماليك، بحيثُ طغت شخصيَّة أولئك الأُمراء على السلاطين وإستغلُّوهم لِتحقيق مصالحهم الخاصَّة، فنجم عن ذلك إزدياد المُنازعات فيما بينهم وتحكُّمهم وإستبدادهم بِشُؤون الدولة والعِباد، ويُلاحظ أنَّ بعض هؤلاء الأُمراء كان من المماليك البُرجيَّة الشراكسة ومن أبرزهم “سيفُ الدين برقوق” الأمر الذي يدُل على إزدياد نُفُوذ تلك الطائفة، ممَّا أدَّى إلى تمكُّنهم من إنتزاع الحُكم لاحقًا.
هذا عن الأحوال الداخليَّة لِدولة المماليك في عصر أبناء الناصر مُحمَّد وأحفاده أمَّا في الخارج فإنَّ إضطراب أحوال البلاد وعدم وُجود رجُلٍ قويٍّ مهيب الجانب على رأس دولة المماليك، أفقد تلك الدولة مكانتها وهيبتها التي كانت قد بلغت أوجها على عهد السُلطان الناصر مُحمَّد ولم يلبث أن استخفَّ الأعداء بِدولة المماليك وطمع الطامعون في أراضيها، بل تجرَّأ الصليبيُّون على غزو مصر ذاتها سنة 767هـ المُوافقة لِسنة 1365م. والمعروف أنَّ الحُروب الصليبيَّة لم تنتهِ بإسترجاع المُسلمين عكَّا سنة 690هـ المُوافقة لِسنة 1291م وبِطرد آخر البقايا الصليبيَّة من الشَّام بل إستمرَّت في صُورةٍ أو أُخرى حتَّى نهاية القرن الخامس عشر للميلاد تقريبًا وإتخذت أكثر من ميدان في المشرق والمغرب.
وفي ذلك الدور من أدوار الحُروب الصليبيَّة، إتخذ مُلُوك قبرص الإفرنج من آل لوزنيان جزيرتهم قاعدةً كُبرى لِتهديد السُفن والمتاجر الإسلاميَّة في شرق حوض البحر المُتوسِّط، فضلًا عن القيام بِغاراتٍ جريئةٍ على بعض الموانئ الإسلاميَّة وموانئ دولة المماليك بِوجهٍ خاص وكان ملك قبرص آنذاك بُطرُس الأوَّل قد سمع بِأخبار الفوضى التي غرقت فيها مصر في عصر أحفاد الناصر مُحمَّد وكيف كانت الموانئ والمُدن المصريَّة خالية تمامًا من وسائل الدفاع. فقرَّر وقادته غزو الإسكندريَّة لِلقضاء على دولة المماليك التي تسبَّبت بِطرد الصليبيين من الشَّام من ناحية ولِلإستفادة من مركز تلك المدينة الحربي وموقها التجاري من ناحيةٍ أُخرى، وعلى الرُغم من أنَّ أخبار الحملة الصليبيَّة ووُجهتها طارت إلى مصر عن طريق التُجَّار قبل وُقُوع الهُجوم بِمُدَّةٍ طويلة إلَّا أنَّهُ لم يكن من الدولة إهتمام، نزل الصليبيُّون على شاطئ الإسكندريَّة صباح الجُمُعة 23 مُحرَّم 767هـ المُوافق فيه 9 أكتوبر 1365م، وإرتكبوا فيها مذبحةً رهيبة راح ضحيَّتها آلاف السَّكندريين من مُسلمين ومسيحيين ويهود، ونهب الصليبيُّون البُيُوت والمتاجر والكنائس والجوامع ولم تسلم منهم حتَّى متاجر التُجَّار الأوروپيين، فهرب الكثير من الأهالي ناجين بِحياتهم.
وبعد مضيّ 4 أيَّام إنسحب الصليبيُّون عائدين إلى قبرص، حاملين في سُفُنهم آلاف الأسرى والمنهوبات، خِلال هذه الفترة من عصر السلاطين البحريَّة الصغار، برز إسم أحد المماليك البُرجيَّة أو الشراكسة – وهو الأمير سيف الدين برقوق بن أنس بن عبد الله اليلبغاوي – الذي إستطاع بِفضل طُمُوحه وقُوَّته أن يصل إلى منصب أتابك العسكر سنة 780هـ المُوافقة ل 1378م، وبِذلك أصبح برقوق على جانبٍ كبيرٍ من القُوَّة في عهد السُلطان علاءُ الدين عليّ الذي لم يتجاوز سنُّه ست سنوات.
ظلَّ السُلطان علاءُ الدين عليّ في الحُكم حتَّى وفاته سنة 783هـ ، 1381م، وهو في الثانية عشرة من عُمره وكان في إستطاعة برقوق أن يلي عرش السلطنة عقب وفاة السُلطان عليّ مُباشرةً، لكنَّهُ أدرك أنَّ الأُمُور لم يتم نضجها بعد لا سيَّما وأنَّ لهُ الكثير من المُعارضين لِذلك تظاهر بِالزُهد في السلطنة مُعلنًا أنَّ المصلحة تتطلَّب إبقاء وظيفة السلطنة في بيت قلاوون وهكذا إستُدعي الأمير حاجي حفيد الناصر مُحمَّد وسنُّه وقتئذٍ إحدى عشرة سنة، وأُعلن سُلطانًا سنة 783هـ المُوافقة لِسنة 1381م.
وفي خلال عهد السُلطان الطفل الجديد، أخذ برقوق يُمكِّنُ لِنفسه فإختصَّ زُملائه وأنصاره من أُمراء المماليك البرجية بِالوظائف الرئيسيَّة في الدولة في الوقت الذي أخذ يعمل على إكتساب محبَّة عامَّة الناس فخفَّف عنهم الضرائب، ولمَّا وجد أنَّ الأُمور باتت مُهيئة لِإعلان نفسه سُلطانًا، تسلح بنفس العُذر الذي سبق أن تحجج به الطامعون في الحُكم من أُمراء المماليك، وهو صغر سن السُلطان القائم، فإجتمع بالأعيان الذين أعلنوا خلع السُلطان حاجي وإقامة برقوق مكانه، وبِعزل حاجي من السلطنة إنتهى بيت قلاوون، كما انتهى حُكم المماليك البحريَّة، وقامت دولة المماليك البُرجيَّة.
وهذه قائمة بسلاطين دولة المماليك البحرية:
- عصمة الدين شجر الدر المستعصمية
- المعز عز الدين أيبك الجاشنكير التركماني الصالحي النجمي
- المنصور نور الدين علي بن أيبك
- المعز سيف الدين قطز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه
- الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البندقداري الصالحي النجمي
- السعيد ناصر الدين محمد بركة خان بن بيبرس
- العادل بدر الدين سلامش بن بيبرس
- المنصور سيف الدين قلاوون الألفي العلائي الصالحي النجمي
- الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون
- الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون ( المرة الأولى)
- العادل زين الدين كتبغا المنصوري التركي المغولي
- المنصور حسام الدين لاجين المنصوري
- الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون ( المرة الثانية)
- المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوري
- الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون ( المرة الثالثة)
- المنصور سيف الدين أبو بكر بن محمد بن قلاوون
- الأشرف علاء الدين كجك بن محمد بن قلاوون
- الناصر شهاب الدين أحمد بن محمد بن قلاوون
- الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون
- الكامل سيف الدين شعبان بن محمد بن قلاوون
- المظفر سيف الدين حاجي بن محمد بن قلاوون
- الناصر بدر الدين حسن بن محمد بن قلاوون (المرة الأولى )
- الصالح صلاح الدين صالح بن محمد بن قلاوون
- الناصر بدر الدين حسن بن محمد بن قلاوون (المرة الثانية)
- المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي
- الأشرف زين الدين شعبان بن حسين بن محمد
- المنصور علاء الدين علي بن زين الدين شعبان
- الصالح زين الدين حاجي بن شعبان بن حسين
ومجموعهم 25 سلطاناً.
كتب:مصطفي خالد