الحقيقة أن طب الأسنان من الفروع التى تطورت بشدة فع عصرنا الحالى ويمكننا الآن بكل بساطة علاج أى مشكلة فى أسناننا بحجز موعد لدى طبيب الأسنان الذى يعمل بدوره فى عيادة مكيفة ويعبث بحرية كاملة داخل فمك دون أى ألم بفضل البنج والتخدير، بل ويمكنك أيضا القيام بزرع طقم أسنان كاملة داخل الفم عوضاً عن أسنانك التالفة بكل بساطة – مع تكلفة مهولة بالطبع- فماذا يا ترى كان يفعل أجدادنا المصريين القدماء قبل أربعة آلاف عام حتى يعالجوا آلام الأسنان ؟

إذا نظرنا إلى النصوص ومشاهد المقابر واللوحات الجنائزية والتماثيل التى تم اكتشافها نستطيع أن نستتج بسهولة وجود مهنة طب الأسنان فى مصر القديمة وكانت تسمى “إبح سونو”

ووصل إلى زمننا الحالى أسماء حوالى 10 من أطباء الأسنان و مساعديهم، وأقدم دكتور أسنان عرفناه هو دكتور “حسى رع”

وهو من الأسرة الثالثة وأيضاً وزير الملك زوسر الذى شيد أول هرم فى مصر (هرم سقارة المدرج).

هذا ويؤكد برنو أليو فى موسوعته (الطب فى زمن الفراعنة)، أن المصريين القدماء عرفوا طبيب الأسنان، وكان يسمى (إبحي أو إيري إبح) وهو لفظ مشتق من كلمة (إبح) والتى تعني السنّة، ومعنى المصطلح بالكامل : “الذى يعالج الأسنان”، بينما كان يشار إلى كبير أطباء الأسنان بلقب “أورا ابحي”.

وقد قام الباحث (ليك) وعالم المصريات (بالدوك) بدراسة موسعة عن الطب عند قدماء المصريين، وصنفوا فيها بابا خاصا بطب الاسنان عند الفراعنة أثبتوا فيه مدى التقدم العلمى للفراعنة فى هذا الفرع الطبى الهام، كما جاء فى دائرة المعارف البريطانية 1994،

فى مقالة لروبرت كوب أن أول طب أسنان فى العالم ظهر فى مصر الفرعونية منذ 50 قرناً من الزمان وظهر ذلك فإن محاولة لعمل جسر أسنان بسيط (كوبري) باستخدام تجويف سن أو ضرس تم خلعه حديثا، ثم يوضع ضرساً سليماً فى هذا التجويف ويربط إلى الضرس المجاور له بسلك من ذهب .

طب الأسنان , قدماء المصريين , الفراعنة , معجزات فرعونية ,

تطور طب الأسنان عند قدماء المصريين (الجسر)

كما تضم بعض البرديات التى جاءت إلينا فى هذا الصدد، وعددها حوالى 15 بردية نصوص تتعلق بعلاج الأسنان فى مصر القديمة أهمها نص ببردية “أدوين سميث” يصف كيفية إعادة مفصلى الفك إلى موضعهما فى حالة عدم إستطاعة المريض إغلاق فمه لأسباب مختلفة، منها التثاؤب بقوة والغريب أن أدوين سميث قد عقب على ذلك بقوله (إن الطريقة التى استخدمها المصريين القدماء فى رد الفك المخلوع لمكانه تكاد تماثل الطريقة المعمول بها حالياً فى طب الأسنان الحديث، أى أن المصرى القديم قد وصل لنفس ما تم الوصول إليه الآن فى مجال طب الأسنان ..ولكن منذ أربعة آلاف عام!!

وقد أورد الدكتور حسن كمال فى كتابه (الطب المصرى القديم) ، أن حالات تسوس الأسنان لم تظهر إلا عند بداية عصر الدولة الحديثة (1570 ق.م)، مشيراً إلى الأبحاث التى أجراها سودهوف، على مومياوات تعود للعصور الحجرية والدولة القديمة والوسطى، دلت على أن حالة أسنان أهالى مصر والنوبة كانت جيدة، بسبب نوعية الطعام البسيط للقدماء والذى كان أغلبه نباتيا ويحتوى على الكثير من السليلوز ومع زيادة درجة ترف المعيشة وتنوع أنواع الطعام بدأت تظهر حالات التسوس ونزيف اللثة وظهور طبقة الجير والتقرحات.

وقد اعتمد الأطباء المصريين القدماء على ملئ التجاويف التى يحدثها التسوس بالأسنان بعجينة تحتوى على مسحوق مواد معدنية أو مسحوق أحجار ذات تأثير قوى يوقف التسوس مثل حجر الملاخيت والكوارتزايت وأكاسيد الحديد، ثم يخلط كل هذا مع مستخرجات نباتية مركزة ذات مفعول مهدئ للألم ولها صفات الصمغ أو كربونات النحاس، وقد يلجأ لأستعمال عسل النحل فى كثير من الأحيان.

وطبقاً للبرديات سابقة الذكر، فإنه بخلاف المواد التى تم بها علاج الأسنان فإن الفراعنة كانوا يستخدمون ألياف البرد فى تنظيف الأسنان كما كانوا يستخدموا أيضاً نبات قصب الخيرزان ورماد البردي المحروق وبذور الخيار المطحون المجفف لتبييض الأسنان كما استخدموا الخل والماء والثوم كغسول للفم.

وبعد، فهذا غيض من فيض عن التقدم الطبى الكبير لأجدادنا فى فرع هام للغاية من الطب وهو طب الأسنان، وقد أغفلنا فيه بعض الأبحاث الأخرى التى تجزم أن المصريين القدماء هم أول من اخترعوا معجون الأسنان، وأول من اخترعوا فرشاة الأسنان وإلى ذلك من الأقاويل التى تحتاج إلى أبحاث مكثفة ودراسات مستفيضة من أجل إثبات صحتها بما لا يدع مجالاً للشك إحقاقا لحق من عمر هذه الأرض الطيبة منذ آلاف السنين وساهم بعبقرية وإبداع منقطع النظير فى ترويض الطبيعة من حوله من أجل الوصول لعلاج أو دواء يهدف فى الأساس..لتخفيف آلام البشر.

 

تامر محمود متولي