” إن شر ما في النفس البشرية هي أنها تعتاد الفضل من صاحب الفضل ، فلا تعود تراه فضلًا ” ، ” إن مبعث شقائنا في الحياة هو المقارنة بين النعم ” ، ” أنت أحيانا ً تبصر ما تحب أن تبصر ، لا ما تبصر فعلاً ” …
هذه المقولات الحكيمة هي إحدي مقولات رائد الأمن الثقافي ، أحد العلامات البارزة في الحياة الأدبية والفكرية والثقافية ، أحد الرواد المميزين للرواية العربية في العصر الحديث ، فارس الرومانسية ، وزير الثقافة المصري الذي تم اغتياله في عام ١٩٧٨ ، إنه الأديب المصري… يوسف السباعي .
وتحي آدم ذكري رحيل هذا الأديب العظيم ، الذي رحل عنا في ٢/١٨ / ١٩٧٨ ، وذلك لإلقاء مزيد من الضوء علي جوانب حياته المختلفة ومسيرته الأدبية والثقافية ، وتعريف الأجيال الشابة بمثل هذه القدوات المصرية العظيمة.
نبذة عن حياة الأديب ” يوسف السباعي ” الشخصية:
هو يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي ولد في 17 يونيو 1917 ، أديب وعسكري ووزير مصري سابق ، والده هو محمد السباعي الذي كان متعمقا في الآداب العربية شعرها ونثرها ومتعمقا في الفلسفات الأوروبية الحديثة يساعده في ذلك إتقانه اللغة الإنجليزية ، كان من رواد النهضة الأدبية الحديثة في مصر ، ولد يوسف السباعي في منطقة الدرب الأحمر ، في حارة الروم بحي السيدة زينب بالقاهرة ، كان “يوسف السباعي ” أكبر اخوته ، وفي الرابعة عشرة من عمره اختطف الموت والده الذي امتلأت نفسه بحبه وفاخر أقرانه به وعاش على اسمه الذي ملأ الدنيا ، ولم يصدق أن والده قد مات وكانت آخر رواياته هي قصة “الفيلسوف ” ، لكنه لم يكملها ، وأكمل القصة “يوسف السباعي” وطبعت عام 1957.
نبذة عن حياة “يوسف السباعي ” العسكرية وتدرجه فيها حتى منصب (وزير الثقافة ) :
التحق بالكلية الحربية في نوفمبر عام 1935 وترقى إلى درجة الجاويش وهو في السنة الثالثة وبعد تخرجه من الحربية تم تعيينه في سلاح الصواري ، وأصبح قائدًا لفرقة من فرق الفروسية ، كان له الفضل في إنشاء سلاح المدرعات ، وتخرج من الكلية الحربية في عام 1937م ، وبدأ بتدريس طلبة سلاح الفرسان في الكلية الحربية ، ثم أصبح مدرسًا للتاريخ العسكري عام 1943 ، تم اختياره بعد ذلك مديرًا للمتحف الحربي عام 1952 ،اختير سكرتيرا للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1956 ، وسكرتيرا لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية عام 1957 ، وفى عام 1966م انتخب سكرتيراً عاماً لمؤتمر شعوب أسيا وأفريقيا اللاتينية، وعين عضواً متفرغاً بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وزير ، ثم وصل إلي منصب وزير الثقافة المصرية عام ١٩٧٣ ، لكن لم تبعده هذه المناصب والأعمال التي كلف بها عن عشقه الأول للأدب .
رحلة “يوسف السباعي ” الأدبية من مجلة مدرسة شبرا الثانوية إلى نقيب الصحفيين :
جاءت البداية الأدبية في مدرسة شبرا الثانوية ، حيث كان يجيد الرسم وبدأ يعد مجلة يكتبها ويرسمها ، وتحولت المجلة إلى مجلة للمدرسة بعد أن أعجبت إدارة المدرسة بمجلة التلميذ يوسف محمد السباعي ، وأصبحت تصدر باسم (مجلة مدرسة شبرا الثانوية) ونشر بها أول قصة يكتبها بعنوان (فوق الأنواء) عام 1934 وكان عمره 17 عاما ، وأما قصته الثانية بعنوان (تبت يدا أبي لهب وتب) نشرها له “أحمد الصاوي محمد” في المجلة التي كان يصدرها باسم (مجلتي) عام 1935 ، وفِي عام 1945 كانت تصدر في مصر كل يوم سبت (مجلة مسامرات الجيب) ، ويرأس تحرير (مسامرات الجيب) “الأستاذ أبو الخير نجيب” الذي عرف بمقالاته الساخنة ، وكان يوسف السباعي ضابطا صغيرا في الجيش يكتب قصة كل أسبوع ، وكانت المجلة تنشر لوحة فنية كل أسبوع ويكتب لها يوسف السباعي قصة هذه اللوحة الرائعة .
حصل يوسف السباعي على دبلوم معهد الصحافة – جامعة فؤاد الأول بالقاهرة وترأس مجلس إدارة مؤسسة (روزاليوسف) عام 1961 ، وفِي عام 1965 رأس تحرير مجلة آخر ساعة ، ثم رئيسا لمجلس إدارة دار الهلال عام 1971م، ورئيسا للمجلس الأعلى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون ، وأصبح عضواً فى مجلس إدارة مؤسسة الأهرام عام 1976م ، وعام 1977 اختير نقيبا للصحفيين .
أعمال يوسف السباعي المسرحية:
وكان للمسرح نصيبٌ أيضًا في أدب السباعي، وبالتحديد المسرح الكوميدي الساخر ، فقد رأى السباعي أن المسرح أقرب وسيلة للتعبير الساخر وتقديم الشخصيات التي تمتلك السخرية العفوية أو السخرية بالفطرة.
كتب أولى مسرحياته عام 1951 بعنوان “أم رتيبة”، وتلاها مسرحية “وراء الستار” التي سخر فيها من الأحزاب والصحافة الحزبية عام 1952، في نفس العام كتب “جمعية قتل الزوجات” والتي أهداها إلى النقاد الذين اتهموه بالإسفاف والتهريج.
جوائز في حياة “يوسف السباعي “:
نال العديد من الجوائز والأوسمة خلال مشواره الأدبي، منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب لكنه رفض تسلم الجائزة لكونه وزيرُا، ووسام الاستحقاق الإيطالي برتبة فارس وجائزة لينين للسلام عام 1970، ووسام الجمهورية من الدرجة الأولي، جائزة وزارة الثقافة والإرشاد القومي عن أحسن قصة لفيلمي “رد قلبي” و”جميلة الجزائرية” عام 1976.
ألقاب “يوسف السباعي “:
– يوسف السباعي “رائد الأمن الثقافي” :
أطلق توفيق الحكيم هذا اللقب علي يوسف السباعي ، وذلك بسبب الدور الذي قام به في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية وجمعية الأدباء. … وتكرر الوضع نفسه عند إنشاء (نادي القصة) وترأس يوسف السباعي تحرير (الكتاب الذهبي) الذي تم ضمه فيما بعد إلى دار روزاليوسف.
كما وصف توفيق الحكيم أسلوبه بأنه سهل عذب باسم ساخر ، يتناول بالرمز والسرية من بعض عيوب المجتمع المصري .
– يوسف السباعي “جبرتي العصر” :
أطلق نجيب محفوظ على السباعى لقب “جبرتى العصر” لأنه سجل بكتاباته الأدبية أحداث الثورة منذ قيامها حتى بشائر النصر في حرب أكتوبر المجيدة عبر أعماله: رد قلبى – جفت الدموع – ليل له آخر – أقوى من الزمن – العمر لحظة .
– يوسف السباعي “فارس الرومانسية “:
وصفه مرسي سعد الدين ” بفارس الرومانسية ” ، فقد امتلك قلبًا رقيقًا مكّنه من صياغة أروع القصص الاجتماعية والرومانسية التي نسج خيوط شخصياتها لتصبح في النهاية روايةً عظيمة تقدم للجمهور ، وفي مقدمة كتاب “يوسف السباعي فارس الرومانسية”،و قد أوضح أنه لم يكن مجرد كاتب رومانسي فقط ، بل كانت له رؤية سياسية واجتماعية في رصده لأحداث مصر ، وهكذا التصق به اللقب خصوصًا بعد إنتاج مسلسل يحمل سيرته الذاتية تحت الاسم نفسه في عام ٢٠٠٣.
أشهر روايات “يوسف السباعي” :
من أشهر رواياته “إني راحلة” ، و “رد قلبى” ، و “بين الأطلال” ، و “نحن لا نزرع الشوك” ، “نائب عزرائيل”، “أرض النفاق “، “البحث عن جسد “، “شارع الحب”، “مبكى العشاق “، “اذكريني ” ، “جميلة الجزائرية “. تحولت روايات له لأفلام مشهورة انتجتها السينما المصرية منها “رد قلبى” ، و “السقا مات” ، و “ناديه” ، و ” بين الأطلال” ، “ارض النفاق” ، “اذكريني “، “شارع الحب ” ، “الليله الاخيره”.
قصه اغتيال “يوسف السباعي” ورحيله :
كان يوسف السباعي يتولى منصب وزير الثقافة آنذاك، منذ عام 1973، وبحكم منصبه سافر إلى دولة قبرص، لحضور مؤتمر آسيوى أفريقى ، وصل يوسف السباعى إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا على رأس الوفد المصرى المشارك، فبينما كان ينزل من غرفته بالفندق، صباح يوم السبت 18 فبراير 1978، متجهًا إلى قاعة المؤتمرات بالمكان ذاته، وقف يطلع على بعض الصحف الصادرة صباح ذلك اليوم، حيث فوجئ رواد الفندق، بقيام شخصين بإطلاق النار على السباعي، على يد شخصين أحدهما فلسطيني والآخر عراقي ، معتبرين موافقته على السلام مع إسرائيل وسفره مع السادات إلى إسرائيل خيانة للقضية الفلسطينية، أصيب بعدد 3 طلقات إحداها سكنت في رأسه ، فارق الحياة على إثرها ، وفى يوم 19 فبراير 1978 ذهب الي مرقده الأخير في مصر في جنازه شعبية مهيبة .
لم يكن يوسف السباعي أديباً عادياً، بل كان أديبا من طراز خاص وسياسياً على درجة عالية من الحنكة والذكاء ، خلده التاريخ بمحطة مهمة في كل منصب من المناصب التي تولاها وتدرج بها ، فهو بحق قيمة مصرية أدبية وسياسية عظيمة.