يوم ذي قار هو من المعارك التي حدثت أيام الجاهلية، وهو من المعارك التي توحدت فيها عدة قبائل عربية لأول مرة لمواجهة عدو خارجي، ولا سيما أن هذا العدو هو الإمبراطورية الساسانية الفارسية، والتي سيرت جيشاً جراراً لمواجهة هذه القبائل، وسيأخذنا آدم اليوم لمعرفة ما حدث في هذه المعركة الكبرى.
الخلفية:
تحامل كسرى بن هرمز، إمبراطور فارس، على النعمان بن المنذر، ملك بلاد الحيرة، والتي تشكل اليوم جنوب العراق والكويت، في كثير من الأمور حيث أبى النعمان مد يد العون أو مصاحبة كسرى إلى بلاد الروم عندما هرب من قائد جيشه بهرام جوبين. وكذلك رفض طلبا لكسرى أن يهب له جوادا عربيا أصيلا كان قد طلبه منه.
ثم جاءت الطامة الكبرى حيث طلب كسرى منه أن يزوجه ابنته التي هي آية من الجمال فرفض، وقد ذكرت المصادر العربية القصة بأن كسرى ذكر يوماً الجمال العربي وكان في مجلسه رجل عربي يقال له “زيد بن عدي العبادي التميمي” وكان النعمان قد غدر بأبيه عدي بن زيد العبادي التميمي وحبسه ثم قتله فقال له: أيها الملك العزيز إن النعمان بن المنذر عنده من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة.
وأرسل كسرى زيداً هذا إلى النعمان ومعه مرافق لهذه المهمة، فلما دخلا على النعمان قالا له: إن كسرى أراد لنفسه ولبعض أولاده نساءً من العرب فأراد كرامتك وهذه هي الصفات التي يشترطها في الزوجات.
فقرأ عليه بالصفة التي أرادها فشق ذلك على النعمان فقال لزيد والرسول يسمع: أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته؟ فقال الرسول لزيد بالفارسية:ما المها والعين؟ فرد كذباً بالفارسية: “كاوان” أي البقر، والمها في الأصل نوع من الظباء التي توصف بالجمال. فأمسك الرسول، فقال زيد للنعمان: إنما أراد الملك كرامتك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به. فأنزلهما يومين عنده، ثم كتب إلى كسرى: إن الذي طلبه الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرني عند الملك.
فوصل زيد إلى كسرى فقرأ عليه كتاب النعمان، وأوغر صدره وقال: فسل هذا الرسول الذي كان معي عما قال، فقال للرسول: ماقال؟ فقال الرسول: أيها الملك، إنه قال: أما في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ماعندنا؟ فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه ما وقع، ولكنه لم يزد على أن قال: رب عبد قد أراد ماهو أشد من هذا، ثم صار أمره إلى التباب. فشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان، وسكت كسرى أشهرا على ذلك، وجعل النعمان يستعد ويتوقع، حتى أتاه كتاب كسرى.
محاولته الهرب:
أرسل كسرى إلى النعمان يستقدمه، فعرف النعمان أنه مقتول لا محالة فحمل أسلحته وما قوي عليه، ثم لحق بجبل طيء، وكان متزوجا إليهم، فأراد النعمان من طيء أن تدخله الجبل وتمنعه، فأبوا خوفا من كسرى، وقالوا له: لولا صهرك لقتلناك، فإنه لاحاجة بنا إلى معاداة كسرى ولا طاقة لنا به. فأقبل يطوف على قبائل العرب وليس أحد منهم يقبله، إلا بني رواحة من قطيعة بن عبس قالوا له: إن شئت قاتلنا معك -لمنة كانت له عندهم- فقال: ما أحب أن أهلككم، فإنه لاطاقة لكم بكسرى.
وذهب إلى بادية بني شيبان سرا، فلقي هانئ بن مسعود الشيباني، وكان سيدا منيعا، فاستجار به فأجاره، وقال له: قد لزمني ذمامك، وأنا مانعك مما أمنع نفسي وولدي منه، وما بقي من عشيرتي الأدنين رجل، ولكن ذلك غير نافعك، لأنه مهلكي ومهلكك، وعندي لك رأي، لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي، ولكنه الصواب فقال: هاته. قال: إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الُملكِ سُوقة، والموت نازل بكل أحد، ولأن تموت كريما خير من أن تتجرع الذل أو تبقى سوقة بعد الملك، هذا إن بقِيتَ، فامض إلى صاحبك، واحمل إليه هدايا ومالا، وألق بنفسك بين يديه، فإما أن يصفح عنك فعدت ملكا عزيزا، وإما أن يصيبك فالموت خير من أن يتلعّب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها، وتأكل مالك وتعيش فقيرا مجاورا أو تقتل مقهورا. فقال: كيف بحرمي؟ قال: هن في ذمتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي. فقال: هذا وأبيك الرأي الصحيح ولن أجاوزه.