لطالما كان الفضاء سرًا غامضًا، ولغزًا محيرًا لكثير من العلماء، مما جعلهم يحاولون بشتى الطرق كشف غموضه وحل لغزه، وفي هذا المقال سنتعرف على الكلبة لايكا إحدى محاولات الإنسان لكشف سر الفضاء، حيث تعتبر أول كائن حي يصل للقمر في رحلة فضائية أذهلت العالم في ذلك الوقت.
ماذا تعرف عن الكلبة لايكا؟
الكلبة لايكا هي اسم لعدد من سلالات الكلاب، ومعناه حرفيًا (النباحة)، وهي كلبة فضاء سوفيتية، تعتبر أول كائن حي يذهب إلى الفضاء ويدور حول الأرض في رحلة فضائية، وهي أيضًا أول من فقد حياته نتيجة لهذه التجربة، قبل رحلة الكلبة لايكا إلى الفضاء لم يكن أحد يعرف شيئًا عن تأثير رحلات الفضاء على الكائنات الحية، وكان العديد من العلماء يعتقدون أن الإنسان لا يستطيع تحمل عملية الإطلاق للفضاء، ولا يمكنه التكيف مع البيئة الفضائية، لذلك تم اقتراح إرسال الحيوانات أولًا على سبيل التجربة، واتخاذها مؤشرًا ودليلًا للإنسان بعد ذلك.
كانت الولايات المتحدة تنافس الاتحاد السوفيتي في هذا المجال، فقامت الولايات المتحدة بإرسال قردة شمبانزي، بينما اختار الاتحاد السوفيتي استخدام الكلبة لايكا، وبالفعل بدأ المتخصصون بإعطاء لايكا تدريبات مع كلبين آخرين، ثم وقع الاختيار عليها لتقوم بهذه المهمة العلمية الخطيرة وتنطلق مع مركبة الفضاء السوفيتية سبوتنك-2 في مثل هذا اليوم الموافق لتاريخ 3 نوفمبر من عام 1957م.
اقرأ أيضًا: الإمارات تحتفي بعودة سلطان النيادي بعد 180 يوما في الفضاء
تدريب الكلبة لايكا:
الكلبة التي أطلقوا عليها فيما بعد اسم لايكا، هي أحد الكلاب الضالة في شوارع موسكو، وقد اختار العلماء السوفييت استخدام الكلاب الضالة على اعتبار أنها اعتادت على تحمل الظروف الصعبة من البرد والجوع في الشوارع، وكانت عبارة عن أنثى مهجنة وزنها حوالي 11 رطلًا وعمرها 3 سنوات، وقد أطلق عليها السوفييت في البداية عدة أسماء، ولكنهم استقروا على اسم لايكا باعتباره الاسم الروسي للعديد من سلالات الكلاب الشبيهة بها.
وأصبح اسم لايكا هو اسم هذه الكلبة والذي اشتهرت به عالميًا، وقد وصفتها إحدى الصحف الروسية بأنها هادئة وباردة الطباع ولا تتشاجر مع أقرانها، كان كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي قد أرسلوا حيوانات من قبل في رحلات فلكية استكشافية، وقد اختار العلماء السوفييت 3 كلاب وقاموا بتدريبهم على الطيران في رحلة سبوتنك-2، ولكن عالم الحياة الفضائية الروسي (أولغ غازينكو) قام باختيار لايكا وتدريبها.
تم وضع الكلبة لايكا في قفص من أجل تصغير حجمها تدريجيًا خلال 20 يومًا، وذلك حتى تتكيف مع الجلوس في كابينة المركبة الفضائية سبوتنك-2 الضيقة، وقد أدى ضيق المساحة إلى توقفها عن التبول والتغوط وجعلها متوترة، مما نتج عنه تراجع وضعها الصحي، واكتشف الباحثون أن فترات التدريب الطويلة كانت وحدها مؤثرة عليها إيجابًا، وبعد ذلك تم وضعها في آلات للصفق المركزي تتشابه بسرعتها مع سرعة انطلاق الصاروخ وآلات أخرى تحدث أصواتًا شبيهة بأصوات المركبة الفضائية، وقد نتج عن ذلك مضاعفة نبضها وارتفاع ضغط دمها، بعد ذلك تم تدريبها على أكل مادة هلامية لزجة خاصة فائقة التغذية لتكون طعامًا لها في الفضاء.
وقبل الرحلة بعدة ساعات، قام أحد العلماء باصطحاب لايكا معه إلى المنزل كي تلاعب أولاده قائلًا: “أردت أن أفعل شيئًا لطيفًا لها، فلم يبق لها سوى القليل من الوقت لتعيش”، وبالفعل ماتت لايكا بعد ساعات من الإطلاق، وقال العلماء إن ذلك غالبًا بسبب الإجهاد ودرجة الحرارة المرتفعة، أو بسبب عطل في نظام التحكم بالحرارة، ولكن لم يتم الإعلان عن موعد وفاتها وسببه قبل عام 2002م.
بل كان المعلن أنها عاشت لعدة أيام، بالرغم من ذلك فإن التجربة كانت ناجحة وأثبتت أن الكائنات الحية يمكنها التكيف مع إطلاق مركبة فضائية ودورانها في مدار حول الارض، وتستطيع أيضًا تحمل حالة انعدام الوزن التي يكونون عليها في الفضاء، وقد مهدت هذه التجربة الطريق أمام خروج الإنسان للفضاء، كما أعطت للعلماء أول خيط من المعلومات عن كيفية تعايش الكائنات الحية مع البيئة الفضائية.
الإرث الخاص بالكلبة لايكا:
تم تخليد ذكرى الكلبة لايكا في عام 1997م وذلك عن طريق عمل نصب تذكاري لها، وهو عبارة عن تمثال ولوحة في منشأة مدينة النجوم الروسية المخصصة لتدريب رواد الفضاء، وقد تم وضع صورة لايكا خلف رواد الفضاء الروس مع آذانها المنتصبة، وفي يوم11 أبريل عام 2008م، عند منشأة البحوث العسكرية الروسية حيث كان الطاقم الذي كان مسئولًا عن تجهيز لايكا للرحلة، كشف المسئولون عن نُصب تذكاري آخر لها وُضع على قمة صاروخ فضائي.
والجدير بالذكر أنه في ذلك الوقت لم يعترض أحد على الناحية الأخلاقية أو الإنسانية لهذه التجربة لفترة طويلة، بسبب انشغال الناس والإعلام في تلك الفترة بمسألة السباق الفضائي والمنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في هذا المجال، و لم يكن أحد مهتمًا بما يسمى حقوق الحيوان أو الرفق به كما هو الحال اليوم، وكيف أنه يتم إرسال كلبة للفضاء لتموت، ولكن ربما يقال إنه في سبيل العلم والاكتشافات يمكن التضحية بحياة كلب ضال من كلاب الشوارع.
وختامًا عزيزي القارئ، بعد استعراض هذه الذكرى الخاصة بالكلبة لايكا، أول كائن حي ثديي يتم إطلاقه للفضاء في رحلة فضائية حول الأرض.
اقرأ أيضًا: علامة استفهام الفضاء.. الكون ما بين العلم والغموض سؤال يبحث عن إجابة
كتبت: سحر علي.