يعتبر ترسخ الذكريات المؤلمة أكثر فاعلية عن الذكريات السعيدة، حيث إنها تخزن في ذاكرة الإنسان على مدى مستمر نتيجة اختزالها في مواقف وتجارب كانت صادمة لصاحبها مما أدى إلى تشكيل علامة لا تُنسى في عقله، ولعل لهذا أسباب علمية تكمن في النواقل الكيميائية في منطقة اللوزة الدماغية المسئولة عن تحييد العواطف المُثارة لاسترسال المخ لهذه الذكريات، ويبقى السؤال هل لهذا خلل وظيفي آخر أم هي مجرد استجابة لا إرادية من المخ؟ هذا ما سنعرفه اليوم.
تعريف الذكريات المؤلمة:
الذكريات المؤلمة (Painful Memories) هي عبارة عن مواقف وتجارب مختزلة في ذكرى حزينة دفينة في ذاكرة المخ، التي إذا أُثيرت بفضل التعرض لمواقف مشابهة لها ستجعل الفرد يعيش صراعات نفسية يطغى عليها مزيدًا من مشاعر الخزي والألم إثر عدم تعافي الفرد من هذه الذكريات.
اقرأ أيضًا: أشباح الماضي.. هل يمكن الهروب من الذكريات التي لا تنسى؟
أسباب الذكريات المؤلمة:
تتباين أسباب الذكريات المؤلمة باختلاف الظروف والمواقف التي تضارب بها الفرد إثر قياس حجم التأثير على نفسية الفرد، ولا سيما هناك الكثير ممن ليست لديهم قوة التحمل التي تمنحهم مرونة التعامل معها بنظرة مختلفة، وهذا ما تحدثت عنها الدراسات الحديثة التي نكشفها لكم عبر الآتي:
اللوزة الدماغية:
من المعروف أن اللوزة الدماغية تلعب دورًا رئيسيًا في اختزال الذكريات المؤلمة بشكل قوي، وهذا يعود إلى حجم تأثيرها على الإنسان نتيجة لما كشفته دراسة أجنبية (The Amygdala and Emotional Memory: A Review) التي أعربت عن فاعلية استجابة هذه المنطقة لهذه الذكريات السلبية ما يعزز من ترسيخها على المدى الطويل، عقب حدوث اضطرابات نفسية للفرد إثر هجماتها المتكررة لعدم معالجتها.
الصدمات الدماغية المتكررة:
بفضل المحفزات الهرمونية يبرز لها دورًا مركزيًا في استرسال المخ لهذه الذكريات، وهذه الهرمونات تعمل على إفراز الأدرينالين إثر الخوف والتوتر وفقًا لما أفصحت عنه دراسة (Neural Mechanisms of Trauma and Stress: Insights from Functional Neuroimaging) حيال تجاربها العلمية عبر قياس الصدمات والتوتر على الدماغ عبر تقنيات التصوير العصبي الذي أبرز تأثير هذه الهرمونات في تغيير النشاط الدماغي المساهم في زيادة ترسيخ الذكريات؛ مما يسبب هجمات دماغية متكررة.
تكرار المواقف الصادمة:
عند تعرض الإنسان لنفس المواقف التي شكلت هذه الأزمة النفسية لديه، فإنه يعزز من بناء هذه الذكريات المؤلمة تلقائيًا بسبب طريقة التفاعل مع هذه المواقف بنفس الطريقة المعتادة المتنافية مع صحة معالجتها وفقًا لما أثبتته دراسة (Reconstructing Traumatic Memories: The Role of Cognitive and Emotional Factors) التي أبدت حلًا مبتكرًا حيال تعزيز العوامل المعرفية العاطفية التي أظهرت فعالية كبيرة في معالجتها.
اضطرابات الذكريات المؤلمة:
من الوارد حدوث اضطرابات بفعل تفاقم تأثير الذكريات المؤلمة، حيث تشكل ندوبا عميقة داخل الإنسان؛ مما يؤدي إلى ظهور مشكلات عديدة أبرزها فيما يلي:
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):
ثُبت عن هذا الاضطراب معاناة الأفراد بشكل أساسي من استرجاع الذكريات المؤلمة التي ينتج عنها أعراض مزمنة مثل: القلق المزمن، والأرق، والتوتر نتيجة حدوث صدمات نفسية حادة.
الاضطراب الانفصالي:
يدخل هذا الاضطراب في قاع الثقب الأسود نتيجة انفصاله التام عن أرض الواقع، بفضل هجمات هذه الذكريات على المخ؛ مما ينتج عنه اضطراب كامل في كيان الفرد يؤدي إلى فقدان الذاكرة مؤقتًا.
الأمراض النفسية:
يقودنا الإفراط في التفكير في هذه الذكريات إلى الإصابة بالأمراض النفسية شديدة التأثير مثل: الاكتئاب، أو القلق المفرط، بالإضافة إلى الهلاوس الفكرية التي تعرقل سير حياة الفرد بشكل غير طبيعي.
علاج الذكريات المؤلمة:
قد استحدثت الطرق العلمية في علاج الذكريات المؤلمة بفضل تطورات العصر، الذي جعلهم يتوصلون إلى حلول استراتيجية بفعالية كبرى، وهذه الأساليب تتمثل في التالي:
العلاج بالتحقق من الذاكرة (Memory Reconsolidation):
تُمارس هذه الطريقة خلال تعريض الفرد للصور والأحداث الحزينة المترسخة في الذاكرة، لتقوم على إثره إعادة تكوين الذاكرة بعد حدوث مواجهة بين تلك الذكريات؛ مما يُقلل من الأثر العاطفي المصاحب لذكراها.
التقنيات البيولوجية العصبية (Neurobiological Techniques):
تقوم هذه الوسيلة بتنشيط النواقل العصبية المرتبطة بالذكريات المؤلمة التي تساهم في تخفيف الأعراض المزمنة.
التدخلات القائمة على اليقظة (Mindfulness-Based Interventions):
يعزز من الوعي الإنساني في الوقت الحاضر، مما يزيد من تحسين القدرة على التفاعل مع هذه الذكريات.
لعل وعسى بعد هذا التحليل الدقيق للذكريات المؤلمة نكون قد أطلعناكم عن مدى تصويب النظر على هذا الموضوع الهام باعتباره الأكثر شيوعًا في هذا العصر، فلا تتهاون إذا تأكدت من إصابتك به.
اقرأ أيضًا: رحلة في عالم الماضي.. كيف تتسلل متلازمة النوستالجيا إلى حياتنا اليومية وتلهمنا؟
كتبت: جهاد محمد.