تختبئ بين أزقة مدينة حلب القديمة حكايات وأسرار كثيرة، حيث ينبض التراث الثقافي اللامادي في حلب في نفوس أهلها، يتناقلها الحلبيون جيلًا بعد جيل، ويعملون بجد للحفاظ عليه وحمايته للأجيال القادمة، فمنذ آلاف السنين ورائحة صابون الغار فواحة، وأصوات القدود الحلبية تعلو ساحات الأفراح، والمطبخ الحلبي يشبع كل جائع ويعجب كل متذوق.
التراث الثقافي اللامادي في حلب:
الحرف اليدوية التقليدية:
صناعة صابون الغار:
يعرف بالصابون الحلبي، وهو من أكثر الصناعات التي تمثل التراث الثقافي اللامادي في حلب أمام العالم أجمع، ويعود تاريخ صناعة الصابون الحلبي إلى عام 2000 ق.م، ويتكون الصابون الحلبي الأصلي من زيت الزيتون وزيت الغار وهيدروكسيد الصوديوم والماء، ويتم تصنيعه على عدة مراحل، تبدأ من مرحلة التصبن ثم مرحلة التبريد تليها مرحلة التقطيع، ثم تترك قطع الصابون لتجف وتنضج لمدة 9 أشهر على الأقل.
صناعة الزعتر:
يعود تاريخ الزعتر الحلبي إلى آلاف السنين، وارتبطت صناعته بمدينة حلب لعدة أسباب منها توافر الزعتر في جبال حلب ومهارة الحلبيين في صناعته، ويتكون الزعتر الحلبي من الزعتر المجفف والكمون والسماق والسمسم والفستق الحلبي والكزبرة واليانسون، وتعد عائلة ناصر من أشهر عائلات تحضير الزعتر الحلبي ويعود تاريخها إلى أكثر من مئة عام.
صناعة العود الحلبي:
تعد صناعة العود الحلبي من الحرف اليدوية التقليدية التي تساهم في الحفاظ على تراث وثقافة مدينة حلب، ويعود تاريخ صناعته إلى قرون مضت، واشتهرت مدينة حلب بصناعته بجودة ودقة عاليتين، ومن مميزات العود الحلبي أنه يصنع من خشب عالي الجودة، وصوته قوي ولديه قدرة على التعبير عن مختلف المشاعر والأحاسيس، ويتميز بدقة التصنيع حيث يهتم الحرفيون بأدق التفاصيل خلال عميلة التصنيع، ويتم تزيين العود الحلبي بالزخارف والنقوش الجميلة، وهذا ما جعله واحدًا من أهم عناصر التراث الثقافي اللامادي في حلب.
صناعة البروكار الحلبي:
يعد البروكار الحلبي من أقدم أنواع النسج في العالم ويعود تاريخه إلى أكثر من 5000 عام، حيث نشأت صناعة البروكار في مدينة حلب ومنها انتشرت إلى مختلف أنحاء العالم، وتمر صناعة البروكار بعدة مراحل وهي: تحضير الحرير، ثم الصبغ، فالنسج، وبعدها التطريز.
اقرأ أيضًا: الوردة الدمشقية.. من الحقول السورية إلى قائمة التراث العالمي
الموسيقى والغناء:
القدود الحلبية:
نشأت القدود الحلبية في الأندلس ثم انتقلت إلى بلاد الشام واشتهرت بها حلب بشكل خاص، ويعود تاريخ ظهور القدود الحلبية إلى منتصف القرن الثامن عشر، وتعد القدود مكونًا هامًا من التراث الثقافي اللامادي في حلب ويعكس هويتها وتاريخها العريق، وتتميز القدود بألحانها الفريدة وكلماتها الغزلية الجميلة، وللقدود أنواع مثل: القد الشعبي، القد الموشحي، القد الديني، القد العاطفي، والقد الوطني، وتم إدراج القدود الحلبية على لائحة التراث الثقافي اللامادي للبشرية من قبل اليونيسكو في ديسمبر عام 2021م.
الرقصات والفنون الشعبية في التراث الثقافي اللامادي في حلب:
رقصة الشيخاني:
رقصة جماعية، يتم أداؤها من قبل فرقة يقوم أعضاؤها بارتداء الزي الشعبي الحلبي، وعلى وقع موسيقى محددة تبدأ الفرقة بالرقص بالحركات الرشيقة والانسيابية، وتعتمد في حركاتها على حركة الأيدي والأقدام والجذع.
رقصة النيبو:
رقصة انفرادية، يتم أداؤها عن طريق حمل عصى تدعى (النيبو)، والقيام ببعض الحركات السريعة والمتناسقة للأيدي والأقدام والدوران السريع والقفزات العالية.
رقصة السيف والترس:
رقصة جماعية، يتبارى بها كل اثنين أو أكثر على حامل الترس، وتتطلب مهارة ممتازة وتنسيق عالي الجودة بين المتبارين.
المولوية:
يقوم بها الدراويش، وتكون منفردة أو جماعية، بارتداء الثوب الأبيض الذي يرمز للنقاء والقلنسوة السوداء التي ترمز إلى القبر والقبعة المصنوعة من وبر الجمل، وتبدأ الحركات الدورانية المتزنة التي تدل على فهم الحالة التي يمر بها الراقص.
المطبخ الحلبي:
يعد من أكبر المطابخ في الشرق الأوسط وأكثرها شهرة وتنوع في الأطباق، وتتميز أطباق المطبخ الحلبي بطعمها اللذيذ ومذاقها الشهي، ومن أشهر هذه الأطباق الكبة الحلبية ويوجد أكثر من 50 نوعا لها، وأيضًا الكباب ويتم تحضيره بأكثر من 40 طريقة شهية، والمحاشي.
اللهجة الحلبية:
تعد اللهجة من أهم مكونات التراث الثقافي اللامادي في حلب، وهي من أجمل اللهجات السورية وأقربها إلى الفصحى، وتتميز باقتباسها كلمات من عدة لغات مختلفة، مثل:
- سكرتون: مأخوذة من اللغة الفرنسية، وتعني الخزانة.
- الضن ضرمة: هي كلمة تركية الأصل، وتعني البوظة.
- أرمغان: كلمة فارسية الأصل، ومعناها الهدية.
- جنوقة: أصلها تركي، وتعني طاسة أو زبدية.
وأجمل ما في اللهجة الحلبية هي أدوات الإشارة، إذ تميزت مدينة حلب بأدوات إشارة خاصة بها، مثل: كوهنه للمذكر القريب واختصارها كو، وكيهنه للمؤنث القريب واختصارها كيه.
العادات والتقاليد:
الضيافة الحلبية:
تعد تقليد عريق يحافظ عليه الحلبيون جيلًا بعد جيل، وهي جزء لا يتجزأ من ثقافتهم، ولذلك هي أهم عنصر من عناصر التراث الثقافي اللامادي في حلب، كما يعد الحلبيون أهل الكرم نتيجة ترحيبهم الحار بالضيف، وإعداد الطعام له، حيث يحرص الحلبيون على تقديم الأطباق الحلبية لضيوفهم مثل: المحاشي، والكبب، والحرص على تبادل أطراف الحديث مع ضيوفهم، وإتاحة الراحة لهم، ومن الممكن تقديم الهدايا للضيف، ومن أهم خصائص الضيافة الحلبية هي الكرم والجود والمودة للضيف.
وفي ضوء الحديث عن التراث الثقافي اللامادي في حلب، نكون قد تعرفنا على أهم الصناعات فيها كصناعة الصابون، والزعتر الحلبي، والعود الحلبي والبروكار، وتعرفنا على تاريخ القدود الحلبية، وبعض الرقصات والفنون الشعبية، والمطبخ الحلبي، واللهجة الحلبية، والضيافة الحلبية.
اقرأ أيضًا: الأكلات الشعبية.. بين التحديات الرقمية وأصالة التراث اللامادي
كتبت: هبه حماده.