كثيرًا ما نردد عبارات وأقوال في مواقف معينة، دون أن نعرف سبب أو سر إطلاق هذه المقولة، مثل عندما نردد مثلًا ومن الحب ما قتل، أو عندما نتداول عبارة الحكاية فيها إن، وفي الحقيقة أنهما من الأقوال المتداولة والمعروفة، فالعبارة الأولى تستخدم في التعبير عن عمق المحبة والاستعداد للفداء من أجل الحبيب، بينما تعبر العبارة الثانية عن الغموض والشك في أمر ما، فهل تعرف عزيزي القارئ سبب إطلاقهما أو السر وراء قولهما؟ في هذا المقال سنوضح الأسرار وراء قول عبارة ومن الحب ما قتل، وأيضًا الحكاية فيها إن.
ومن الحب ما قتل:
أنا من هواة الشعر واللغة العربية، وبحسب معرفتي، فإن مقولة ومن الحب ما قتل منسوبة إلى (الأصمعي)، بعد حادثة تعرض لها، وهي أن الأصمعي كان يتجول في البادية، ومر بصخرة منقوش عليها أبيات الشعر الآتية:
“أيا معشر العشّاق بالله خبروا
إذا حلّ عشقٌ بالفتى كيف يصنع”.
فما كان من الأصمعي إلا أن رد عليه ببيت شعر نقشه على نفس الصخرة قائلًا:
“يُداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضع”.
وفي اليوم التالي رأى الأصمعي بيت شعر ثالثا مكتوبًا على نفس الصخرة، ويقول:
“وكيف يداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يومٍ قلبه يتقطع”.
فردَّ عليه الأصمعي مرة أخرى ببيت الشعر الآتي:
“إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان أمره
فليس له شيء سوى الموت ينفع”.
ثم بعد ذلك بعدة أيام، مر الأصمعي من عند الصخرة ووجد الشاب منتحرًا، ثم اتضح أن الشاب العاشق أخذ بنصيحة الأصمعي وقتل نفسه، وقبل موته كتب بيتي شعر قائلًا:
“سمعنا وأطعنا ثم متنا فبلّغوا
سلامي إلى من كان للوصل يمنع
هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم
وللعاشق المسكين ما يتجرع”.
وبعد هذه الحادثة، أطلق الأصمعي عبارة ومن الحب ما قتل؛ ليعبر عن شدة التضحية والفداء حتى بالنفس من أجل الحبيب.
اقرأ أيضًا: ما هي كوسة بقى.. تعرف على أشهر الأمثال الشعبية وقصتها
الحكاية فيها إن:
هي مقولة شعبية ومعروفة، تتردد في أفواه المصريين منذ عصور قديمة، وهي تدل على الشك أو عدم الثقة في مكانة الشخص أو في الشخص نفسه، وكانت هذه المقولة سببًا في إنقاذ أحد الأشخاص من الموت، حيث تلاعب باللغة العربية وقواعدها، مما جعل بطل القصة يتمكن من ابتكار خطة لم يستطع أحد اكتشافها في ذلك الوقت.
بداية القصة حدثت في زمن حيث كان العرب يشتهرون برجاحتهم وذكائهم وطلاقة لسانهم، ويقال إن أصل هذه العبارة من مدينة حلب السورية، وصاحبها هو (علي بن منقذ)، أحد عمال الملك في ذلك الوقت، وقد هرب من المدينة خوفًا من الحاكم (محمود بن مرداس)، بعد خلاف نشب بينهما، وبعد هروبه من حلب أمر الحاكم بن مرداس أحد موظفيه بالكتابة إلى ابن منقذ ليطلب منه العودة إلى حلب، وكانت وظيفة الكاتب تمنح دائمًا لرجل ذكي يجيد صياغة الرسائل إلى الملوك والأمراء، حتى أنه في بعض الأحيان يصبح الكاتب ملكًا عند وفاة الملك.
لكن الكاتب هنا في هذه القصة كان صديقًا لابن منقذ، وشعر أن الحاكم كان ينوي الشر ضد صديقه علي بن منقذ، فقام الكاتب بكتابة رسالة تبدو وكأنها عادية وبسيطة، طالبًا فيها من ابن منقذ العودة إلى حلب وختمها بجملة “إنّ شاء الله”، وبدلًا من وضع سكون على النون وضع الشدّة، وعندما تسلم ابن منقذ رسالة صديقه، عرف أن الحاكم ينوي الشر ضده، وأن صديقه الكاتب أراد تحذيره من القدوم بالتشديد على حرف النون في رسالته.
فما كان من ابن منقذ إلا أن رد برسالة إلى الحاكم بدت أنها رسالة عادية شاكرًا إياه على ثقته به، وختم الرسالة بقوله: “إنّا الخادم يعترف بالبركة”، بكسر الهمزة وتشديد النون، فعرف الكاتب أن صديقه فهم الرسالة والتحذير الذي أرسله إليه، وأنه قصد في رده قول الله تعالى: “إنا لن ندخلها أبدًا ما دامو فيها”، فلم يعد ابن منقذ إلى حلب أبدًا طوال فترة الحاكم ابن مرداس هناك، ومن هنا جاء استعمال عبارة الحكاية فيها إن عند الغموض والشك في أمر ما.
وختامًا عزيزي القارئ، بعد أن تناولنا أصل مقولة ومن الحب ما قتل، ومقولة الحكاية فيها إن، ندرك جمال لغتنا العربية وبلاغتها، وكيف أن معرفتها ومعرفة قواعدها كانت سببًا في إنقاذ أحد الأشخاص من الموت.
اقرأ أيضًا: كذاب كذب الإبل.. رحلة إلى عالم الأمثال الشعبية وحكاياتها المثيرة
كتبت: سحر علي.