كان الأسكندر الأكبر المقدوني والذي حقق نصراً قوياً على الفرس؛ حقق شيئاً آخر هاماً فقد ربط بواسطة جيشه الكبير مصر والشرق كله حتى الهند بالحضارة الإغريقية، إن الدخول في عصر جديد بمدرسة فلسفية جديدة من التاريخ الإنساني يولد فيه مجتمع دولي جديد تلعب فيه اللغة والثقافة الإغريقيتان دوراً مهيمناً.
هذه المرحلة التي دامت 300 سنة هي ما أطلق عليه اسم (الهيلينية) تميزت الهيلينية بسيادة النمط الإغريقي الذي كان يتجاهل الحدود بين الشعوب وثقافتها فقد كان الرومان، المصريون، البابليون، السوريون، والفرس يعبدون آلهتهم بشكل قومي خاص بأهل البلد فقط، لكن مع وجود الهللينية راحت الثقافات المختلفة تذوب فيه عشوائياً كل المفاهيم الدينية، الفلسفية والعلمية.
لقد أصبح علم الأخلاق المشروع الفلسفي الأكثر أهمية في المجتمع الجديد، كل القضية هي معرفة أين تكمن السعادة الحقيقية وكيف نبلغها؟
سنقوم الآن بشرح ثلاثة من هذه التيارات الفلسفية الهللينية.
“مدرسة الكلبيين”
كانت مدرسة الكلبيين ومؤسس فلسفتهم (انتيستانس) يركزون على أن السعادة لا تأتي من الأشياء الخارجية كالرفاهية المادية (السلطة السياسية والمال) بل إن السعادة الحقيقية هي التوصل إلى الإستقلال عن هذه الظروف الخارجية العابرة والمتقلبة ولأن السعادة لا تتوقف عن هذه العناصر فهي في متناول الجميع، وإذا مابلغناها فلن تزول.
كان الكلبيون يعتقدون بأنه على الانسان ألا يشغل نفسه إلا بصحته لا بالألم ولا بالموت كما أن عليهم ألا يتأثروا من آلام الآخرين، ولذا فإن مصطلح (كلبي) بات يستعمل للتعبير عن عدم الرأفة بالآخرين.
“مدرسة الرواقيين”
كان للكلبين الفضل في نشأة مدرسة الرواقيين الذي ولدت فلسفتهم على يد (زينون القبرصي) الذي انضم للكلبيين بعد أن جنحت سفينته على شاطئهم، وقد عرف بالرواقي لأنه اعتاد أن يجمع تلامذته في رواق، وقد أثرت فلسفته تأثيراً عظيماً على الثقافة الرومانية من بعده.
يعتقد الرواقيون أن البشر يشكلون حزءاً صغيراً من الكون أو هو عالم صغير داخل عالم الكون الفسيح، مما يسمح بإقامة قانون يصلح لكل الناس هو (القانون الطبيعي) المبني على العقل الأزلي للإنسان وللكون الذي لا يتغير بحسب الزمان والمكان.
كذلك لاحظ الرواقيون ان كل الظواهر الطبيعية كالمرض والموت تتبع القوانين الدائمة للطبيعة لذا على الانسان أن يتصالح مع قدره فلا شيء يحدث مصادفة برأيهم، يجب ايضاً أن يتلقى الانسان الحوادث السعيدة في حياته بأكبر قدر من الهدوء، ويطلق اليوم تعبير (هدوء رواقي) على الانسان الذي لا ينجرف مع عواطفه.
“مدرسة الإبيقوريين”
يدعي (اريستيبوس): “أن الخير المطلق هو المتعة والشر المطلق هو الألم” لذا أراد أن ينمي فن حياة يتمثل في تجنب كل اشكال الالم، كان الابيقوريون يلتقون في حديقة فأطلقوا عليهم (فلاسفة الحديقة) كان أبيقور يرمز على أن إشباع رغبة يجب ألا تنسينا التأثيرات الجانبية التي يمكن أن تنتج عنه.
لذا يجب على الانسان الإبيقوري أن يقيم موازنة بين اشباع رغبة آنية وإمكانية تحقيق رغبة أكثر ديمومة، (فمثلاً أن تحرم نفسك من التدخين وتدخر ثمن كل علبة سجائر في مقابل ممارسة الرياضة لمدة عام) حيث إن الإنسان يختلف عن الحيوان كونه قادرا على تخطيط حياته على برمجة مُتعَه، التدخين قد يكون متعة لكن الصحة البدنية وبناء العضلات هما كذلك ايضاً.
بعد أبيقور قلص الكثيرون فلسفته ليحصروها في إشباع رغباتهم تحت شعار واحد “عش اللحظة الحاضرة” بحيث أصبح مصطلح (أبيقوري) يستعمل اليوم لوصف شخص مقبل على الحياة لكن بشكل مبتذل.
جاء وقت التوقف قليلاً لأخذ هدنة نستعيد بها كل ما قرأناه عن الفلسفة منذ بدأت حتى مقالنا هذا قبل أن نشمر عن سواعدنا لنبدأ الدخول في فلسفة بعد الميلاد وظهور المسيحية.
“المقالات السابقة”
– أرنب القبعة السحرية والفلسفة.
– فلاسفة الطبيعة الحكماء الأوليين صانعي التفلسف.
– السفسطائيون وسقراط والنهج العكسي.
– أفلاطون الفيلسوف الذي وقع من السماء.
– محاورة الجمهورية يوتوبيا أفلاطون العادلة.
– أرسطو رجل مهووس بالتفاصيل يعيد ترتيب مفاهيمنا.
– كيف يرى أرسطو الأخلاق والسياسة والمرأة في نظرياته؟