خبايا الفرح.. ما وراء العيدية في الحاضر والماضي

العيدية

العيدية

ونحن على أعتاب عيد الفطر المبارك، حيث يرتبط العيد في مصر بطقوس تحمل مظاهر الفرح والبهجة والتكافل، وتأتي العيدية في مقدمة تلك الطقوس، حتى أصبحت عنصرًا أساسيًا محفورًا في ذاكرتنا وصورتنا عن العيد، فما هو أصل العيدية؟ وكيف بدأت قصتها؟ تعال معي عزيزي القارئ في السطور القليلة القادمة لنتعرف معًا على إجابة هذه الأسئلة.

العيدية في العهد النبوي:

كان النبي عليه الصلاة والسلام حريصًا على إقامة تقاليد الفرح والبهجة عند حلول العيد، وشرع في العبادات ما يجوز اعتباره أصلًا وبدايةً للعيدية المرتبطة بالإهداء والعطاء؛ ففي عيد الفطر مثلًا كانت زكاة الفطر أداؤها فرض على كل فرد قبل دخول العيد، والهدف منها تحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، إلى جانب إدخال البهجة والسعادة إلى قلوب الفقراء والمحتاجين، وكذلك في عيد الأضحى أيضًا، كانت الأضحية هي الوسيلة لتحقيق التكافل ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإسعادهم.

العيدية في العهد النبوي

اقرأ أيضًا: لعبة سيكريت سانتا.. أسرار الهدايا الغامضة في عيد الميلاد

العيدية في العصر الفاطمي:

بعد العهود الإسلامية الأولى تطورت طقوس ومراسم الأعياد، ولكن ذروة هذا التطور جاءت في أواخر القرن الرابع الهجري، وتحديدًا في عصر الدولة الفاطمية مع استقرار حكم الخلافة الفاطميّة في القاهرة، حيث كان الفاطميون معروفين باهتمامهم عمومًا بمظاهر الاحتفال وإحياء المناسبات، ومن بين ذلك الاهتمام بطقوس البهجة والاحتفال خاصة في شهر رمضان، وفي ذكرى المولد النبوي، وبالأعياد، وغيرها من المناسبات الدينية التي لها ارتباطات اجتماعية وثقافية، فأصبحت المناسبات الدينية في ذلك العصر مرتبطة بالاحتفالات، وتم إرساء الكثير من الطقوس التي أعادت صياغة الثقافة الإسلامية، ولا يزال الكثير منها ممارسًا ومنتشرًا بين المسلمين حتى يومنا هذا بدءًا من الفانوس إلى المسحراتي، ووصولًا إلى العيدية.

وذكر بعض مؤرخي العصر الفاطمي، كالوزير عز الملك المسبحي، وتقي الدين المقريزي، بعض تفاصيل لطقوس ومظاهر احتفال الخلفاء الفاطميين بالأعياد، ومن أهم تلك الطقوس (العيدية)، التي ظهرت لأول مرة كهبة مستقلة في عهد الخليفة (المعز لدين الله الفاطمي) الذي أراد أن يستميل أفئدة المصريين في بداية حكمه؛ فكان يأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والملابس، عند حلول كل عيد على رجال الدولة وعامة الشعب، كما كان يقدم بنفسه الدراهم الفضية للفقهاء والقراء والمؤذنين، مع انتهاء ختمة القرآن الكريم في ليلة العيد.

العيدية في العصر الفاطمي

وكان طقس توزيع النقود يعرف باسم (التوسعة)، وهو أول شكل من أشكال العيدية، كمبلغ مالي يتم توزيعه عند حلول العيد، فكان الخليفة يطل من قصره صبيحة يوم العيد، وينثر الدراهم والدنانير الذهبية على كل من حضر من عامة الشعب لمعايدته، أما الملابس فكانت توزع على الخاصة والعامة، وكانت تصنع قبل شهر ونصف من العيد لتكون جاهزة ليلة العيد، وقد بلغت النفقات المخصصة لصناعة الكسوة في القرن السادس الهجري مبلغًا يقدر بعشرين ألف دينار ذهبي، وإلى جانب المال والملابس، كانت هناك بعض المعايدات الأخرى وتشمل صنع الكعك والحلوى وتوزيع كميات كبيرة منها في الشَارع والطرقات، كل ذلك أرسى القواعد لمناسبة العيد وجعلها مناسبة عامة مرتبطة بتقاليد العطاء والفرح والبهجة.

العيدية في العصر المملوكي:

تراجعت طقوس الاحتفال كثيرًا في العهد الأيوبي خاصة مع الانشغال بالحروب الصليبية، ولكن مع دخول عصر المماليك واستقرار ملكهم في مصر والشام، عادت الطقوس الاحتفالية للازدهار والعودة من جديد، وعرفت العيدية باسم جديد هو (الجامكية) كانت عبارة عن مبلغ يتم صرفه بأمر مباشر من السلطان كمرتب خاص عند حلول العيد، ويمنح لموظفي الدولة من الجند وكبار الموظفين وحتى الأمراء، و(الجامكية) هي كلمة مشتقة من (الجامة) وهي كلمة تركية تعني الثوب واللباس، ولهذا يقصد بالجامكية المال المخصص للملابس؛ حيث كان الهدف منها مساعدة الشعب في شراء كسوة جديدة خاصة بالعيد.

العيدية في العصر العثماني:

اختلف شكل العيدية في العصر العثماني وكان التحول الأكبر أنها لم تعد مبلغًا تقوم الدولة بصرفه، وإنما تحولت إلى ثقافة وعادة شعبية يقوم الناس بأدائها فيما بينهم، كدليل على التعبير عن البهجة والسعادة وطريقة لتحقيق التكافل والمعونة فيما بينهم، وكانت هذه العادة محصورة في الأرياف والبوادي بسبب صعوبة ظروف المعيشة هناك، ثم انتقلت إلى أهل المدن والحواضر، ولم تكن العيديّة مرتبطة في ذلك الوقت بتوزيع مبالغ مالية فقط، وإنما ارتبطت بكل أشكال الهدايا، مثل الطعام، والملابس، وغيرها.

العيدية في العصر العثماني

العيدية اليوم:

مع نهاية العصر العثماني ودخول الحقبة المعاصرة، استقر شكل العيدية بالشكل المعروف اليوم، وعرفت بهذا الاسم المشتق من اسم العيد، ثم طرأ عليها تغيرات جديدة، وأصبح من يقوم بها بالأساس هو رب الأسرة، أو الأبناء الكبار سنًا من العاملين أصحاب الدخل، وأصبح المستفيد الأول للعيدية هم الأطفال، ثم تأتي الزوجة والبنات الأكبر سنًا، وبالرغم من أن العيدية تتضمن أشكالًا مختلفة من الهدايا والألعاب والحلوى والملابس، إلا أنها معروف أنها تطلق تحديدًا على المبلغ النقدي.

وختامًا عزيزي القارئ، تناولنا العيدية وأصلها وتاريخها منذ بدايتها وحتى الآن، وكيف إنها من أهم مظاهر البهجة والتكافل والاحتفال بالعيد، لدرجة ارتباط اسمها باسمه.

اقرأ أيضًا: عالم الأعياد.. تنوع الأعياد في الثقافات المختلفة من الشرق للغرب

كتبت: سحر علي.