صقر قريش عبدالرحمن بن معاوية

كنا قد تكلمنا من قبل عن قصة حياة عبدالرحمن الداخل ” صقر قريش ” وهروبه من بنى العباس وكيف دخل الأندلس فاتحاً واليوم نستكمل ما بدأناه وما أهم الثورات والتمردات التى حدثت فى ذلك الوقت .. وللرجوع للجزء الأول ومعرفة قصة حياته من خلال الرابط التالي:https://adam-arts.com/?p=5470

كانت أيام عبد الرحمن الداخل فى الأندلس مليئة بالصراعات والتمردات التى لم تهدأ ، فمنذوطأت أقدامه أرض الأندلس وانتصاره فى موقعة (المصارة) ودخوله قرطبة (عاصمة الأندلس) – وحينها لقب بالداخل لأنه أول من دخل قرطبة حاكماً من بنى أمية- فمنذ ذلك الحين وهو يواجه التمردات التى ثارت ضده، وعرفت الفترة التى تلت دخوله قرطبة بفترة الإمارة الأموية وتبدأ من (138ھ-755م) إلى(316ھ-928م).

عبد الرحمن الداخل
عبد الرحمن الداخل ” صقر قريش “

كان لعبد الرحمن الداخل الكثير من الأيادى البيضاء على الإسلام والتى كان يحاول من خلالها توطيد حكمه فى إمارة الأندلس، ولكنه ورث من أجداده الأمويين كثيرًا من الثورات والتمردات ضده والتى كان أبرزها- مؤامرة اليزيدى- مؤامرة المغيرة بن الوليد وهناك بعض تلك الثورات ثار عليه ومن أبرزها تمردات الشيعة، تمردات أشبيلية وتمردات طليطلة، تمردات لبلة، كما كان هناك بعض التمردات الصغيرة فى أماكن متفرقة.

استمرت تلك التمردات لأكثر من ثلاثين عامًا من (138ھ-755م) وحتى (172ھ-788م).
نجح عبد الرحمن الداخل فى إخماد تلك الثورات الواحدة تلو الأخرى، حيث استطاع ترسيخ حكمه على الرغم من كثرتها حيث بلغ عددهم أكثر من خمس وعشرين ثورة.

موقعة المصارة بدايه للتمرد:

كانت المعركة بين عبد الرحمن بن معاوية ويوسف بن عبد الرحمن الفهرى لما دخل عبد الرحمن بن معاوية أخذ فى تجميع الناس من حوله من محبى الدولة الأموية من البربر وكثير من القبائل المعارضة لـ يوسف بن عبد الرحمن الفهرى.

وقد جاءه بعض الأمويين من بقاع الأرض المختلفة، ومع ذلك لم يكن العدد كافياً يستطيع به أن يغير من الأوضاع ، ففكر فى اليمنيين؛ لأنهم كانوا على خلاف مع يوسف بن عبد الرحمن الفهرى،فـ يوسف بن عبد الرحمن الفهرى من مضر من الحجاز، وعبد الرحمن بن معاوية أيضاً من مضر من بنى أمية، أى: أن كلاهما من الحجاز.
فبدأ يراسل اليمنيين، فقبلوا أن يتحدوا مع عبد الرحمن بن معاوية، وكان على رئاسة اليمنيين فى ذلك الوقت أبو الصباح اليحصبى، وكان المقر الرئيسى لهم إشبيلية، وكانت إشبيلية مدينة كبيرة جداً من حواضر الإسلام فى ذلك الوقت.
فذهب عبد الرحمن بن معاوية بنفسه إلى إشبيلية، واجتمع طويلاً مع أبى الصباح اليحصبى، واتفقا على أن يقاتلا سوياً ضد يوسف بن عبد الرحمن الفهرى، وقبل القتال أرسل عبد الرحمن بن معاوية رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهرى يطلب وده، ويطلب منه أن يسلِّم له الإمارة؛ لأنه حفيد هشام بن عبد الملك أصل الخلافة الأموية، ويكون رجلاً من رجاله في بلاد الأندلس.
ولكن يوسف بن عبد الرحمن الفهري رفض ذلك كلياً، وجمع جيشاً له، وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية، فاجتمع عبد الرحمن بن معاوية مع اليمنيين ومن معه من القبائل المختلفة فى حرب يوسف بن عبد الرحمن الفهرى.

وذلك فى موقعة كبيرة عرفت فى التاريخ باسم موقعة المسارة، وفى لفظ: موقعة المصارة، (بالسين أو بالصاد)، وقد كان هذا فى ذى الحجة سنة (138هـ).
وكان من المؤسف جداً أن يلتقى المسلمون بسيوفهم، لكن كثرة الثورات والفتن والإنقلابات جعل الحل العسكرى والحل بالسيف هو الحل الحتمى فى ذلك الوقت.

دارت موقعة كبيرة بين يوسف بن عبد الرحمن الفهرى ومعه جيش كبير، وجيش عبد الرحمن بن معاوية ويعتمد فى الأساس على اليمنيين.
فسمع أبو الصباح اليحصبى بعض المقالات من اليمنيين أن عبد الرحمن بن معاوية غريب على البلاد، وهو على فرس أشهب وعظيم، وإن حدثت هزيمة هرب من ساحة القتال وتركنا للفهريين، فبلغ عبد الرحمن بن معاوية هذا الكلام، وكان عمره آنذاك (25) عاماً.
فذهب بنفسه إلى أبى الصباح اليحصبى وقال له: إن هذا الجواد سريع الحركة ولا يمكننى من الرمى، فإن أردت أن تأخذه وتعطينى بغلتك فعلت، فأعطى الجواد السريع إليه وأخذ البغلة يقاتل عليها.
فقال اليمنيون: هذا ليس بمسلك رجل يريد الهرب، هذا رجل يريد أن يموت فيك ساحة المعركة، فبقى معه اليمنيون وقاتلوا قتالاً شديداً، ودارت موقعة عظيمة جداً، وانتصر فيها عبد الرحمن بن معاوية ومن معه، وهزم يوسف بن عبد الرحمن الفهرى من أرض المعركة بجيشه الكبير، وفر يوسف بن عبد الرحمن الفهرى.

وكعادة الناس فى ذلك الزمن أن يتابع المنتصرون المنهزمين حتى يقتلوهم ويقضوا على الثورة، فبدأ اليمنيون يجهزون أنفسهم حتى يتتبعوا الجيش الفار، لكن عبد الرحمن بن معاوية يقف لهم ويمنعهم من تتبع الفارين ويقول قولة خالدة: ” لا تتبعوهم اتركوهم، لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم “.

يقصد أن يستبقوهم للنصارى، فإن الموقعة الرئيسية ستكون مع النصارى، فإن هؤلاء الذين قاتلوننا فى يوم من الأيام سيصبحون من جنودنا، وسيصبحون أعواننا على غيرنا من النصارى فى ليون وفى فرنسا وما إلى ذلك.

كان لدى عبدالرحمن الداخل ” صقر قريش ” فكر واسع وجديد جداً، ونظرة متسعة تشمل كل بلاد الأندلس، وتشمل كل أوروبا، بل وفى نظرى أنه ينوى إعادة بلاد الشام بعد ذلك إلى أملاك الأمويين، وقد أمتاز فى حربه ضد يوسف بن عبد الرحمن الفهرى بما يلي:

أولاً: ليس فى قلبه غل ولا حقد على من كان حريصاً على قتله منذ دقائق معدودات.

ثانياً: الفهم العميق للعدو الحقيقى وهم النصارى فى الشمال.

ثالثاً: إذا جاز له شرعاً أن يقاتلهم لتجميع الناس حول راية واحدة، فلا يجوز له شرعاً أن يتتبعهم وأن يقتل الفار منهم، أو يجهز على جريحهم، أو يقتل أسيرهم؛ لأن حكمهم حكم الباغين فى الإسلام، وليس لهم حكم المشركين، والباغى فى الإسلام لا يتتبع الفار منه، ولا يقتل أسيره، ولا يجهز على جريحه، بل ولا تؤخذ منه الغنائم وهكذا، فقد كان عنده فقه وعلم وسعة إطلاع وفهم عميق جداً، وهو لم يبلغ من العمر إلا خمسة وعشرين سنة.

كانت هذة المعركة هى بداية فقط لحركات تمرد وثورات على عبدالرحمن الداخل وسنكمل حديثنا فيما هو قادم عن باقى هذة الثورات وانتظرونا فى قصة جديدة من سلسلة صقر قريش

كتب: محمود الصافي