منذ أيام احتفل العالم الإسلامي بيوم عاشوراء الذي يتميز بمجموعة من الدروس والعبر، فيه نجى الله موسى من فرعون، وفيه تميّز المسلمون عن غيرهم في تشريعاتهم وتعبّدهم، وفيه قُتل الحبيب الإمام الحسين عليه رضوان الله وسحائب رحماته، وفيه يغفر الله الذنوب لمن صام وتاب وأناب، وحُقّ لكل مسلم أن يفتخر بانتسابه لهذا الدين.
وفي حديث خاص مع الأستاذ الدكتور عادل هندي أستاذ مساعد بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، سوف نتذكر معًا هذا اليوم العظيم بما فيه من دروس وعبر من باب قول الله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
دروس مستفادة من يوم عاشوراء:
أولًا يوم عاشوراء هو يوم اليقين في الله الذي غير نواميس الكون:
في يوم عاشوراء تحرك نبيّ الله موسى -عليه السلام- بفئة مستضعفة نحو النجاة، وها هو فرعون الطاغية يتعقّبهم بجنوده وأوتادِه، وأُغلقت أمام الفئة المستضعفة أسباب النجاة، فالبحر أمامهم والعدو الباغي من ورائهم، فتحرّكت نفوس بعض اليائسين فقالوا من منظور عالَم الشهادة المرئي: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} فكانت رسالة نبي الله موسى -عليه السّلام- لهم: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وهنا نتوقّف قليلا لنعود إلى مشهد إيذاء فرعون الطاغية للمستضعفين من بني إسرائيل، حين جاءهم موسى بالحق والبينات وقد أسلم السحرة وآمنوا واستشهدوا في طريق الحق منذ قليل، فقالوا لموسى: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} فكان ردّه بثقة ويقين: {عَسَـى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
وكأن -عليه السلام- ينظر من وراء الغيب إلى واقع مستقبل مشرق؛ لأنه يعي جيدًا أن القدرة والملك والكون لله خالقه، فليست نظرته كنظرة المتشائمين الذين ينظرون إلى عالَم الشهادة متناسين قدرة الله الغالبة، فلما كانت كلماته بيقين: “إن معي ربي” كانت المعجزة الباهرة في أمر البحر وإغراقه فرعون الظالم وجنوده، فاملأ صدرك يقينًا في نصر الله، وكن على ثقة في وعده الذي لا يتخلف ولن يتخلّف، فمهما طالت فترات فلا بد من بزوع النور، ومهما اشتدَّت الكُرب فلا بد لها من تيسير وتفريجٍ لها.
اقرأ أيضًا: لماذا يحتفل المسلمون بيوم عاشوراء؟.. تعرف على القصة الكاملة
ثانيًا عدم التردد إذا كنت متميزًا وتستطيع أن تكون أكثر تميزًا وتمايزًا:
حين وفد النبي مهاجرًا إلى المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، وكان يصومه في الجاهلية فسأل اليهود عن السبب، فقالوا: “هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: “فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ”، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ [رواه البخاري في الصحيح]، غير أنّ النبيّ أحبّ أن يعلّمنا كالمعتاد درسًا تربويًّا وأخلاقيًّا في التعامل مع الآخر: “كن متميزًا”؛ فقد ورد عند مسلم في صحيحه، قول الرسول الحبيب: “لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ”، وفي رواية: “خَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ”، لماذا يا رسول الله؟ للتميز والتمايز عن اليهود وقد قالوا بأنفسهم: “ما لهذا الرّجُل لا يترك هديًا لنا إلا خالفنا فيه، فنحن أمة متميّزة، لا تقوم على التقليد الأعمى لغيرها، بل تبحث عن التميّز”.
نقول هذا الكلام اليوم، في زمنٍ رأينا فيه شبابًا وفتياتٍ ورجالًا ونساءً يعمدون إلى تقليد الغرب حتى في الفُحش والفجور والخروج عن القيم بحجة الحرية والتقليد، ونسوْا أننا أمة مميزة، ويا ليت طلابنا وطالباتنا وأزواجنا وزوجاتنا يبحثون عن التميز في تخصصاتهم، ويتفوقون على منافسينا في العلوم والتكنولوجيا، كما ينبغي أن نتفوق عليهم في طاعاتنا وصلواتنا وصيامنا لله، وكلمة للشباب: “تميّزوا فمن تشبّه بقوم فهو منهم، نحن أُمّة مرفوعة فلا تضعوها، وأمة عزيزة فلا تُذلّوها، وأمّة قوية فلا تُضعفوها”.
اقرأ أيضًا: تعرف على 11 نية عند صيام يوم عاشوراء
ثالثًا الثبات عند المنحة كما الثبات عند المحنة:
إنّ كثيرًا من البشـر ربّما لا يعرف ربه إلا إذا مرّ بضائقة أو شدّة وهذا أكبر دليل على وجود الله، ويسميه بعض علماء التوحيد بدليل الاضطرار والحاجة، يلجأ الطالب المهمل في مذاكرته عند الامتحان إلى ربّه يوم الامتحان، ويلجأ السارق إلى ربّه إذا شعُر بأنه مقبوض عليه وهالك، وتلجأ الفاجرة إلى الله إذا شعرت بالفضيحة والمحاكمة، وهكذا في يوم عاشوراء حدث شيءٌ عجيب فعله بنو إسرائيل، حين كانوا في الكر والفر يوم الهروب من فرعون، ونجاهم الله من الغرق، وأراهم آية بأعينهم غرق فرعون الطاغية الأسطورة الديكتاتور، وربما ثبت بعضهم عند المحنة والشدّة، إلا أنهم ما إن مرّت الشدّة وتحولوا إلى العافية حتى طلبوا من موسى طلبًا ينمّ عن جهلهم وعنادهم وفُجرهم.
فقد مروا على قوم يعبدون الأصنام من دون الله تعالى، وقد رأوْا منذ قليل عظيم قدرته فيحكي لنا القرآن المجيد فيقول: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} فقالوا لنبي الله موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، والمطلوب من هذا السرد التاريخي ليوم عاشوراء أن نتعلم الثبات وألا نُفتن عند أول اختبار في وقت المنح والعطايا الإلهية علينا، ولْنُكْثِر من الدعاء الوارد في الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه؛ حيث يقص علينا ما رواه أنس بن مالك حيث يقول: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: “اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ” فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَافُ عَلَيْنَا؟ وَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئتَ بِهِ. فَقَالَ: “إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا”.
رابعًا شكر نعمة الله بالطاعة لا بالمعصية:
حقٌّ على كل مسلم عاقل أن يحمد الله ويشكره على نعمائه وعطاياه، وإنا لنتعلّم من يوم عاشوراء (شكر النعمة)، والدليل على ذلك أن نبي الله موسى صام يوم عاشوراء احتفاء واحتفالًا بنجاته وقومه من بطش فرعون وعدوانه، وقد صامه اليهود كذلك، وصامه النبي الحبيب، وأمر أصحابه بالصيام شكرًا للنعمة، وهنا أتوقف مع المحتفلين بالأعياد والأفراح والمناسبات: كيف يكون شكرهم لله في احتفائهم واحتفالهم بطاعة أم بمعصية؟
حال كثير من المسلمين في أفراحهم وأعراسهم يرتكبون معاصي كثيرة، وانظر معي أيضًا إلى ما يفعله بعض الشيعة هدانا الله وإياهم يوم عاشوراء من إسالة الدماء من أجسامهم وضرب الخدود وشق الملابس واللطم وقصّ الحكايات المكذوبة في شأن سيد شباب أهل الجنّة الإمام الحُسين رضي الله عنه وعن أبيه وأمه وعن أخيه، هل هذا شكر أو احتفاء أو احتفال يُحمد؟ بالتأكيد لا، وليست صورة الإسلام هكذا أبدًا، ولو جاز فعل ذلك شرعًا لفعلناه لوفاة رسول الله أولى، فحريٌّ بالشاكرين الحامدين العابدين أن يشكروا الله بطريقة سليمة على ما أعطاهم إياه ومنحهم به من فضله.
اقرأ أيضًا: ليلة النصف من شعبان.. بوابة الفضائل والاحتفالات الروحية
خامسًا الأخوة بين الأنبياء والشرائع والرسالات وحرص النبي على نفع أمته:
“فنحن أحق بموسى منكم”، والاتباع الحقيقي للأنبياء ليس بدعوى الانتساب، وإنما بالسير على هديهم وطريقتهم، وفي حديث: “أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ في الدنيا والآخرة والْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ”، تأكيد واضح على أخوة الأنبياء والمرسلين، وأن المسلم أعلى درجة بل درجات من غير المسلم، حيث بكل هؤلاء الرجال الأبطال الموحَى إليهم من الله تعالى، وما فرّق بين أحدٍ منهم كما فعل غيرُه، فيا من جمعتكم النبوات لا تتفرقوا لخلافات دنيوية فانية زائلة، ويا من جمّعكم رسول الله بندائه: “كونوا عباد الله إخوانًا”، لا تتصارعوا وتتعاركوا على زخارف الدنيا الفانية.
وحرْص النبيّ على نفع أمّته حيث شرع لهم أعمالًا يسيرة بأجور مضاعفة عظيمة، فصيام يوم عاشوراء يكفر الله به سنة كاملة، وقد ورد في الحديث كما عند مسلم: “سُئِل عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: “يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ”، فلا تحقرنّ من المعروف شيئًا، فإنك لا تدري أية حسنة ستدخلك الجنّة.
وأخيرًا فالنصر ليس في ساحة المعارك فحسب، بل بصور أخرى عديدة، منها: النجاة من الهلاك، نهاية الظالمين والطغاة، ولا أدل على ذلك ممّا ورد في الحديث: “نجي الله قوم موسى جميعًا، وأهلك قوم فرعون جميعًا، ويتبع ذلك إظهار الفرحة بنصر الله تعالى، والباطل لا بد له من نهاية وإن طالت فترة ظلمه، لا بد للحق من نصر قريب، قال تعالى: “وما النصـر إلا من عند الله”، ومهما طالت الفترة ففيها فوائد ومنافع، منها: التمحيص للقلوب، والتربية على الصبر، قال تعالى: “وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ”، وعلينا أن نعمل بهذه الدروس والعبر من يوم عاشوراء.
اقرأ أيضًا: تعرف على 10 قيم من رحلة الإسراء والمعراج
كتبت: نيفين رضا الدميري.